للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقَولِه تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٣٥] وليسَ مِنْ القِسطِ أنْ يَعلمَ الحاكمُ أنَّ أَحدَ الخَصمينِ مَظلومٌ والآخرَ ظالمٌ ويَتركُ كلًّا منهما على حالِه.

ورُويَ: أنَّ النَّبيَّ قالَ: «لا يَمنعنَّ أَحدَكم هَيبةُ الناسِ أنْ يَقولَ في حقٍّ إذا رَآه أو سمِعَه» (١).

ورُويَ: أنَّ هندًا قالَتْ: «يا رَسولَ اللهِ، إنْ أَبا سُفيانَ رَجلٌ شَحيحٌ، وإنَّه لا يُعطيني ما يَكفيني ووَلدي إلا ما أخَذْتُ منه سرًّا»، فقالَ النَّبيُّ : «خُذي ما يَكفيكِ ووَلدَكِ بالمَعروفِ» (٢)، فقَضى لها رَسولُ اللهِ بأنْ تَأخذَ نَفقتَها مِنْ مالِه؛ مِنْ غيرِ بَينةٍ ولا إِقرارٍ لعِلمِه بصِدقِها.

ولأنَّ الحُكمَ بالأَقوى أَولى مِنْ الحُكمِ بالأَضعفِ، والحُكمُ في الشَّهادةِ بغالبِ الظنِّ وبالعِلمِ مِنْ طَريقِ اليَقينِ والقَطعِ، فلمَّا جازَ الحُكمُ بالشَّهادةِ كانَ بالعِلمِ أَولى وأَجوزَ، ألَا تَرى أنَّه لمَّا جازَ أنْ يَحكمَ بخَبرِ الواحدِ كانَ الحُكمُ بخَبرِ التَّواترِ أَولى، ولمَّا جازَ الحُكمُ بقَولِ الرَّاوي عن الرَّسولِ كانَ الحُكمُ بقَولِ الرَّسولِ أَولى.

ولأنَّه لمَّا جازَ أنْ يَحكمَ في الجَرحِ والتَّعديلِ بعِلمِه، جازَ أنْ يَحكمَ في غيرِهما بعِلمِه، لثُبوتِه بأَقوى أَسبابِه.

ولأنَّ مَنعَ القاضِي مِنْ الحُكمِ بعِلمِه مُفضٍ إلى وُقوفِ الأَحكامِ أو فِسقِ الحُكامِ في رَجلٍ سمِعَه القاضِي يُطلقُ زَوجتَه ثَلاثًا أو يُعتقَ عَبدَه، ثُم أنكَرَ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام أحمد (١١٠٣٠، ١١٥١٦).
(٢) أخرجه البخاري (٥٠٤٩)، ومسلم (١٧١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>