للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانَ الحاكمُ حَنيفًا وقد علِمَ أنَّ مالِكًا وأَحمدَ والشافِعيَّ اتفَقُوا على جَوازِ هذا التَّوكيلِ.

إلا أَبا حَنيفةَ لمْ يُجزْ هذه الوِكالةِ فعدَلَ عما أجمَعَ عليه هؤلاءِ الثَّلاثةُ إلى ما ذهَبَ إليه أَبو حَنيفةَ بمُجردِ أنَّه قالَ فَقيهٌ في الجُملةِ مِنْ فُقهاءِ الاتِّباعِ له مِنْ غيرِ أنْ يَثبتْ عندَه بالدَّليلِ ولا أَداة الاجتِهادُ، إلا أنَّ ما قالَه أَبو حنيفةَ أَولى مما اتفَقَ عليه الجَماعةُ، فإنِّي أَخافُ على هذا أنْ يَكونَ مَتبوعًا مِنْ اللهِ ، فإنَّه اتبَعَ في ذلك هَواه، وألَّا يَكونَ ممَّن لا يَستمعونَ القَولَ فيَتبعونَ أَحسنَه. وكذلك إنْ كانَ القاضِي على مَذهبِ مالِكٍ فاختصَمَ إليه في سُؤرِ الكَلبِ معَ كَونِه يَعلمُ أنَّ الفُقهاءَ كلَّهم قَضوا بنَجاستِه فعدَلَ إلى مَذهبِه، وكذلك إنْ كانَ القاضِي على مَذهبِ الشافِعي فتنازَعَ إليه خَصمانِ في تَركِ التَّسميةِ عمدًا. فقالَ أحدُهما: إنَّ هذا مَنعني مِنْ بَيعِ مُذكاةٍ وأفسَدَها عليَّ، وقالَ الآخرُ: إنما منعْتُه مِنْ بَيعِ المَيتةِ فقَضي عليه بمَذهبِه وقد علِمَ أنَّ الفُقهاءَ الثَّلاثةَ على خِلافِه، وكذلك لو كانَ القاضِي على مَذهبِ الإِمامِ أَحمدَ فاختصَمَ إليه خَصمانِ. فقالَ أَحدُهما: عليَّ مالٌ، وقالَ الآخرُ: قد كانَ له عليَّ وقضيتُه فقَضى عليه بالبَراءةِ مِنْ إِقرارِه، وقد علِمَ أنَّ الفُقهاءَ الثَّلاثةَ على خِلافِه، فإنَّ هذا وأَمثالُه مما يُوحي اتِّباعُ الأَكثرِ فيه أَقربُ عِندي الخَلاصُ وأَرجحُ في العَملِ ويَقتضي هذا، فإنَّ وِلاياتِ الأَحكامِ في وَقتِنا هذا وِلايةٌ صَحيحةٌ، وإنَّهم قد سَدُّوا ثَغرًا مِنْ ثُغورِ الإِسلامِ سَدةَ فُروضِ كِفايةٍ. وقد أهمَلْنا هذا القَولَ ولمْ نَذكرْه ومشَيْنا على طَريقِ التَّغافلِ التي يَمشي مَنْ يَمشي فيها مِنْ الفُقهاءِ الذين يُذكرُ كلٌّ منهم في كِتابِ أَبي حَنيفةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>