أَصحابِه الاشتِراطَ، وهو مَذهبُ مالِكٍ، قالَ شَيخُنا: ولا يُعرَفُ عن أحَدٍ من الصَّحابةِ والتابِعينَ اشتِراطُ لَفظِ الشَّهادةِ، وقد قالَ ابنُ عَباسٍ: شهِدَ عِندي رِجالٌ مَرضيُّونَ وأَرضاهم عِندي عُمرُ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ نَهى عن الصَّلاةِ بعدَ العَصرِ وبعدَ الصُّبحِ، ومَعلومٌ أنَّهم لم يَتلَفَّظوا له بلَفظِ «أشهَدُ»، إنَّما كانَ مُجرَّدَ إِخبارٍ، وفي حَديثِ ماعِزٍ: فلمَّا شهِدَ على نَفسِه أربَعَ شَهاداتٍ رجَمَه، وإنَّما كانَ كَلامُه منه مُجرَّدَ إِخبارٍ عن نَفسِه، وهو إِقرارٌ، وكذلك قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ﴾ [الأنعام: ١٩]، وقَولُه: ﴿قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (١٣٠)﴾ [الأنعام: ١٣٠]، وقَولُه: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦)﴾ [النساء: ١٦٦] وقَولُه: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١)﴾ [آل عمران: ٨١]، وقَولُه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران: ١٨] إلى أَضعافِ ذلك ممَّا ورَدَ في القُرآنِ والسُّنةِ مِنْ إِطلاقِ لَفظِ الشَّهادةِ على الخَبَرِ المُجرَّدِ عن لَفظِ «أشهَدُ».
وقد تَنازَعَ الإمامُ أَحمدُ وعلِيُّ بنُ المَدينيِّ في الشَّهادةِ للعَشرةِ بالجَنةِ فقالَ علِيٌّ: أقولُ: هُمْ في الجَنةِ، ولا أقولُ: أشهَدُ إنَّهم في الجَنةِ، فقالَ الإمامُ أَحمدُ: مَتى قُلتَ: هُمْ في الجَنةِ، فقد شَهِدتَ، وهذا تَصريحٌ منه بأنَّه لا يُشتَرطُ في الشَّهادةِ لَفظُ «أشهَدُ»، وحَديثُ أَبي قَتادةَ مِنْ أبيَنِ الحُجَجِ في ذلك (١).
(١) «زاد المعاد» (٣/ ٤٩٢، ٤٩٣)، و «الإنصاف» (١٢/ ١٠٨، ١٠٩)، و «منار السبيل» (٣/ ٥٢١).