للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحتاجُ الشاهِدُ أنْ يَشهدَ بأنَّ هذا ارتضَعَ من ثَديِ هذه خَمسَ رَضعاتٍ مُتفرِّقاتٍ خَلُصَ اللَّبنُ فيهِنَّ إلى جَوفِه في الحَولَينِ.

فإنْ قيلَ: خُلوصُ اللَّبنِ إلى جَوفِه لا طَريقَ له إلى مُشاهَدتِه، فكيف تَجوزُ الشَّهادةُ؟ قُلنا: إذا عُلِمَ أنَّ هذه المَرأةَ ذاتُ لَبنٍ، ورَأى الصَّبيَّ قد التقَمَ ثَديَها وحَرَّكَ فَمَه في الامتِصاصِ وحَلقَه في الاجتِراعِ حصَلَ ظَنٌّ يَقرُبُ إلى اليَقينِ أنَّ اللَّبنَ قد وصَلَ إلى جَوفِه، وما يَتعذَّرُ الوُقوفُ عليه بالمُشاهَدةِ اكتُفيَ فيه بالظاهِرِ، كالشَّهادةِ بالمِلكِ وثُبوتِ الدَّينِ في الذِّمةِ والشَّهادةِ على النَّسَبِ بالاستِفاضةِ.

ولو قالَ الشاهِدُ: أدخَلَ رأسَه تَحتَ ثِيابِها والتقَمَ ثَديَها، لا يُقبلُ؛ لأنَّه قد يُدخِلُ رأسَه ولا يَأخذُ الثَّديَ، وقد يَأخذُ الثَّديَ ولا يَمُصُّ، فلا بدَّ من ذِكرِ ما يَدلُّ عليه.

وإنْ قالَ: أشهَدُ إنَّ هذه أرضَعَت هذا، فالظاهِرُ أنَّه يَكفي في ثُبوتِ أصلِ الرَّضاعِ؛ لأنَّ المَرأةَ التي قالَت قد أرضَعتُكما، اكتُفيَ بقَولِها (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : وأمَّا الشَّهادةُ على الرَّضاعِ؛ فإنَّ قَومًا قالوا: لا تُقبلُ فيه إلا شَهادةُ امرأتَينِ، وقَومًا قالوا: لا تُقبلُ فيه إلا شَهادةُ أربَعٍ، وبه قالَ الشافِعيُّ وعَطاءٌ، وقَومًا قالوا: تُقبلُ فيه شَهادةُ امرَأةٍ واحِدةٍ.

والذين قالوا: تُقبلُ فيه شَهادةُ امرأتَينِ، منهم مَنْ اشتَرطَ في ذلك فُشوَّ


(١) «المغني» (٨/ ١٥٣، ١٥٤)، و «شرح الزَّركشيّ» (٢/ ٥٥٧)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٣٥)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٦١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>