للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرضَعتُكما، فأتَيتُ النَّبيَّ ، فقُلتُ: تَزوَّجتُ فُلانةَ بِنتَ فُلانٍ، فجاءَتنا امرَأةٌ سَوداءُ، فقالَت لي: إنِّي قد أرضَعتُكما، وهي كاذِبةٌ، فأعرَضَ عني، فأتَيتُه مِنْ قبَلِ وَجهِه، قُلتُ: إنَّها كاذِبةٌ، قالَ: «كيف بها وقد زعَمَت أنَّها قد أرضَعَتكما؟ دَعَها عنك» (١). وفي لَفظٍ للنَّسائيِّ (٢): فأتَيتُه من قبَلِ وَجهِه، فقُلتُ: إنَّها كاذِبةٌ، فقالَ: «كيف وقد زعَمَت أنَّها قد أرضَعَتكما؟ خَلِّ سَبيلَها»؛ فإنَّما أمَرَه النَّبيُّ على طَريقِ التَّنزُّهِ، ألَا تَرى أنَّه أعرَضَ عنه أولًا وثانيًا، ولو وجَبَ التَّفريقُ لَما أعرَضَ عنه، ولأمَرَه بالتَّفريقِ في أولِ سُؤالِه، فلَمَّا لم يَفعَلْ دَلَّ على أنَّه أرادَ به التَّنزُه.

ورُويَ أنَّ رَجلًا تَزوَّجَ امرَأةً فجاءَت امرَأةٌ فزعَمَت أنَّها أرضَعَتهما، فسألَ الرَّجلُ علِيًّا فقالَ: هي امرأتُك ليسَ أحَدٌ يُحرِّمُها عليك؛ فإنْ تَنزَّهتَ فهو أفضَلُ، وسألَ ابنَ عَباسٍ فقالَ له مِثلَ ذلك، ولأنَّه يَحتمِلُ أنْ تَكونَ صادِقةً في شَهادَتِها، فكانَ الاحتِياطُ هو المُفارَقةَ.

فإذا فارَقَها فالأفضَلُ له أنْ يُعطيَها نِصفَ المَهرِ إنْ كانَ قبلَ الدُّخولِ بها؛ لاحتِمالِ صِحةِ النِّكاحِ لاحتِمالِ كَذِبِها في الشَّهادةِ، والأفضَلُ لها ألَّا تَأخذَ شَيئًا منه لاحتِمالِ فَسادِ النِّكاحِ لاحتِمالِ صِدقِها في الشَّهادةِ، وإنْ كانَ بعدَ الدُّخولِ فالأفضَلُ للزَّوجِ أنْ يُعطيَها كَمالَ المَهرِ والنَّفقةِ والسُّكنَى لاحتِمالِ جَوازِ النِّكاحِ، والأفضَلُ لها أنْ تَأخذَ الأقَلَّ من مَهرِ مِثلِها ومن


(١) أخرجه البخاري (٤٨١٦).
(٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>