للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قالَ أصبَغُ بنُ الفَرجِ: إذا شهِدَ الفاسِقُ عندَ الحاكِمِ وجَبَ عليه التَّوقُّفُ في القَضيةِ وقد يُحتَجُّ له بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ [الحجرات: ٦].

وحَرفُ المَسألةِ أنَّ مَدارَ قَبولِ الشَّهادةِ ورَدِّها على غَلَبةِ ظَنِّ الصِّدقِ وعَدمِه.

والصَّوابُ المَقطوعُ به أنَّ العَدالةَ تَتبعَّضُ فيَكونُ الرَّجلُ عَدلًا في شَيءٍ، فاسِقًا في شَيءٍ، فإذا تَبيَّن للحاكِمِ أنَّه عَدلٌ فيما شهِدَ به قبِلَ شَهادَتَه ولم يَضرُّه فِسقُه في غَيرِه.

ومَن عرَفَ شُروطَ العَدالةِ وعرَفَ ما عليه الناسُ تبيَّنَ له الصَّوابُ في هذه المَسألةِ واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : ورَدُّ شَهادةِ مَنْ عُرفَ بالكَذبِ، مُتَّفقٌ عليه بينَ الفُقهاءِ، وقالَ: والعَدلُ في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، وطائِفةٍ، بحَسَبِها، فيَكونُ الشاهِدُ في كُلِّ قَومٍ، مَنْ كانَ ذا عَدلٍ منهم، وإنْ كانَ لو كانَ في غَيرِهم، لَكانَ عَدلُه على وَجهٍ آخَرَ، وبهذا يُمكِنُ الحُكمُ بينَ الناسِ، وإلا لو اعتُبِرَ في شُهودِ كلِّ طائِفةٍ، ألَّا يَشهَدَ عليهم إلا مَنْ يَكونُ قائِمًا بأداءِ الواجِباتِ، وتَركِ المُحرَّماتِ، كما كانَ الصَّحابةُ، لَبطَلَت الشهاداتُ كلُّها، أو غالِبُها … يَتوَجَّه أنْ تُقبَلَ شَهادةُ المَعروفينَ بالصِّدقِ، وإنْ لم يَكونوا مُلتَزِمينَ للحُدودِ، عندَ الضَّرورةِ، مِثلَ الحَبسِ، وحَوادِثِ البَدوِ، وأهلِ القَريةِ الذين لا يُوجدُ فيهم


(١) «الطرق الحكمية» ص (٢٥٦، ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>