أنكَروه بألسِنتِهم، وكذلك العَملُ على صِحةِ كَونِ الفاسِقِ وَليًّا في النِّكاحِ ووَصيًّا في المالِ.
والعَجبُ ممَّن يَسلبُه ذلك ويَردُّ الوِلايةَ إلى فاسِقٍ مِثلِه أو أفسَقَ منه.
فإنَّ العَدلَ الذي تَنتقِلُ إليه الوِلايةُ قد تَعذَّرَ وُجودُه وامتازَ الفاسِقُ القَريبُ بشَفقةِ القَرابةِ، والوَصيُّ باختيارِ المُوصي، وإِيثارِه على غيرِه، ففاسِقٌ عَيَّنه المُوصي أو امتازَ بالقَرابةِ أَولَى من فاسِقٍ ليسَ كذلك، على أنَّه إذا غلَبَ على الظَّنِّ صِدقُ الفاسِقِ قُبلَت شَهادتُه وحُكمَ بها، واللهُ سُبحانَه لم يَأمرْ برَدِّ خبَرِ الفاسِقِ فلا يَجوزُ رَدُّه مُطلَقًا بل يَتثبَّتُ فيه حتى يَتبيَّنَ هل هو صادِقٌ أو كاذِبٌ؛ فإنْ كانَ صادِقًا قُبلَ قَولُه وعُملَ به وفِسقُه عليه، وإنْ كانَ كاذِبًا رُدَّ خبَرُه ولم يُلتفَتْ إليه.
ولرَدِّ خَبَرِ الفاسِقِ وشَهادتِه مَأخَذانِ:
أَحدُهما: عَدمُ الوُثوقِ به؛ إذْ تَحمِلُه قِلةُ مُبالاتِه بدِينِه ونُقصانُ وَقارِ اللهِ في قَلبِه على تَعمُّدِ الكَذبِ.
الثانِي: هَجرُه على إِعلانِه بفِسقِه ومُجاهَرتِه به.
فقَبولُ شَهادتِه إِبطالٌ لهذا الغَرضِ المَطلوبِ شَرعًا.
فإذا عُلمَ صِدقُ لَهجةِ الفاسِقِ وأنَّه مِنْ أصدَقِ الناسِ وإنْ كانَ فِسقُه بغَيرِ الكَذبِ فلا وَجهَ لرَدِّ شَهادتِه، وقد استَأجرَ النَّبيُّ ﷺ هاديًا يَدلُّه على طَريقِ المَدينةِ وهو مُشرِكٌ على دِينِ قَومِه ولكنْ لمَّا وَثِقَ بقَولِه أمِنَه ودَفَع إليه راحِلتَه وقبِلَ دِلالَتَه.