وقد احتاطَ الشارِعُ بحَقِّ الدِّماءِ، حتى قبِلَ فيها اللَّوثَ واليَمينَ، وإنْ كانَ لم يَقبَلْ ذلك في دِرهمٍ واحِدٍ، وعلى قَبولِ شَهادتِهم تَواطَأتْ مَذاهبُ السَّلفِ الصالِحِ، فقالَ به علِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ ومُعاويةُ بنُ أَبي سُفيانَ وعبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ، ومِن التابِعينَ: سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ، وعُروةُ بنُ الزُّبَيرِ، وعُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ، والشَّعبيُّ، والنَّخَعيُّ، وشُريحٌ، وابنُ أَبي لَيلَى، وابنُ شِهابٍ، وابنُ أَبي مُلَيكةَ، قالَ: ما أدرَكتُ القُضاةَ إلا وهُم يَحكُمونَ بقَولِ ابنِ الزُّبَيرِ وأَبي الزِّنادِ، وقالَ: هي السُّنةُ.
قالوا: وشَرطُ قَبولِ شَهادتِهم في ذلك: كَونُهم يَعقِلونَ الشَّهادةَ، وأنْ يَكونوا ذُكورًا أَحرارًا، مَحكومًا لهم بحُكمِ الإِسلامِ، اثنَينِ فصاعِدًا، مُتَّفقينَ غيرَ مُختلِفينَ، وأنْ يَكونَ ذلك قبلَ تَفرُّقِهم وتَخبيرِهم، ويَكونَ ذلك لبعضِهم على بعضٍ، ويَكونَ في القَتلِ والجِراحِ خاصَّةً، ولا تُقبلُ شَهادتُهم على كَبيرٍ أنَّه قتَلَ صَغيرًا، ولا على صَغيرٍ أنَّه قتَلَ كَبيرًا.
قالوا: ولو شَهِدوا، ثم رَجَعوا عن شَهادتِهم أُخذَ بالشَّهادةِ الأُولى، ولم يُلتَفَت إلى ما رَجَعوا إليه، قالوا: ولا خِلافَ عندَنا أنَّه لا يُعتبَرُ فيهم تَعديلٌ ولا تَجريحٌ.
قالوا: واختَلفَ أَصحابُنا في العَداوةِ والقَرابةِ: هل تَقدحُ في شَهادتِهم؟ على قَولَينِ، واختَلَفوا في جَريانِ هذا الحُكمِ هل هو في إِناثِهم، أو هو مُختصٌّ بالذُّكورِ فلا تُقبلُ فيه شَهادةُ الإِناثِ؟ على قَولَينِ (١).