ولا خِلافَ أنَّه لا يُحلَفُ معَ شَهادةِ الصَّبيِّ الواحِدِ في شَيءٍ من جِراحِ الخَطأِ ولا قَتلِ الخَطأِ.
والدَّليلُ على قَبولِ شَهادتِهم إِجماعُ الصَّحابةِ؛ لأنَّه مَرويٌّ عن علِيٍّ، وابنِ الزُّبَيرِ، ومُعاويةَ، ولا مُخالِفَ لهم، ورُويَ أنَّ عليًّا ﵁ كانَ يَأخذُ بأولِ شَهادةِ الصِّبيانِ، ورُويَ عن ابنِ الزُّبَيرِ مِثلُه، وعن مُعاويةَ أنَّه كانَ يُجيزُ شَهادةَ بعضِهم على بعضٍ ما لم يَدخُلوا البُيوتَ فيُعلَّموا.
عن عبدِ اللهِ بنِ أَبي مُلَيكةَ قالَ: أرسَلتُ إلى ابنِ عَباسٍ ﵄ أسألُه عن شَهادةِ الصِّبيانِ، فقالَ: قالَ اللهُ ﷿: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وليسوا ممَّن نَرضَى، قالَ: فأرسَلتُ إلى ابنِ الزُّبَيرِ أسألُه فقالَ: بالحَريِّ إنْ سُئِلوا أنْ يُصدَّقوا، قالَ: فما رأيتُ القَضاءَ إلا على ما قالَ ابنُ الزُّبَيرِ» (١). فكانَ إِجماعًا، ولأنَّ الشَّهادةَ مُعتبَرةٌ بحالِ الضَّرورةِ، كما أُجيزَت شَهادةُ النِّساءِ المُنفرِداتِ في الوِلادةِ؛ لأنَّها حالةٌ لا يَحضُرُها الرِّجالُ، كذلك اجتِماعُ الصِّبيانِ في لَعِبِهم، وما يَتعاطَونَ مِنْ رَميِهم لا يَكادُ يَحضُرُهم الرِّجالُ، فجازَ للضَّرورةِ أنْ تُقبلَ شَهادةُ بعضِهم على بعضٍ قبلَ افتِراقِهم، لانتِفاءِ التُّهمةِ عنهم، ولم يَجزْ بعدَ افتِراقِهم لتَوجُّهِ التُّهمةِ إليهم.
فالضَّرورةُ تَدعو إلى قَبولِها؛ لأنَّا لو لم نَقبَلْها لأدَّى إلى أُمورٍ مَمنوعةٍ، إمَّا أنْ نَمنعَهم ما نُدِبْنا إلى تَعليمِهم إياه وتَدريبِهم عليه مِنْ الحَربِ والصِّراعِ، وما جَرى مَجرى ذلك؛ لأنَّهم لا بدَّ أنْ يَخلوا بأنفُسِهم لمَا
(١) رواه الحاكم في «المستدرك» (٣١٣١)، وقالَ: صَحيحُ الإِسنادِ على شرطِ الشَّيخينِ ولَم يُخرِّجاه.