للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنَا: إنها عُقوبةٌ مَشروعةٌ للرَّدعِ والزَّجرِ، فلم يَضمنْ مَنْ تَلفَ بها كالحَدِّ، وأما قَولُ عليٍّ في ديَةِ مَنْ قتَلَه حَدُّ الخَمرِ فقدْ خالَفَه غيرُه مِنْ الصَّحابةِ فلم يُوجِبوا شَيئًا به، ولم يَعملْ به الشافِعيُّ ولا غيرُه مِنْ الفُقهاءِ، فكيفَ يُحتَجُّ به مع تَركِ الجميعِ له؟! وأما قولُه في الجَنينِ فلا حُجةَ لهم فيه؛ فإنَّ الجَنينَ الذي تَلفَ لا جِنايةَ منه ولا تَعزيرَ عليهِ، فكيفَ يَسقطُ ضَمانُه؟! ولو أنَّ الإمامَ حَدَّ حامِلًا فأتَلفَ جَنينَها ضَمِنَه مع أنَّ الحَدَّ مُتفَقٌ عليه بينَنا، على أنه لا يَجبُ ضَمانُ المَحدودِ إذا أُتلِفَ به.

وليسَ على الزَّوجِ ضَمانُ الزوجةِ إذا تَلفَتْ مِنْ التأديبِ المَشروعِ في النُّشوزِ، ولا على المعلِّمِ إذا أدَّبَ صَبيَّه الأدبَ المَشروعَ، وبه قالَ مالكٌ، وقالَ الشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ: يَضمنُ، ووَجهُ المَذهبَينِ ما تقدَّمَ في التي قبْلَها.

قالَ الخلَّالُ: إذا ضرَبَ المعلِّمُ ثَلاثًا كما قالَ التابِعونَ وفُقهاءُ الأمصارِ وكانَ ذلك ثَلاثًا فليسَ بضامنٍ، وإنْ ضرَبَه ضَربًا شَديدًا مثلُه لا يكونُ أدَبًا للصبيِّ ضَمِنَ؛ لأنه قد تَعدَّى في الضربِ، قالَ القاضي: وكذلكَ يَجيءُ على قياسِ قَولِ أصحابِنا إذا ضرَبَ الأبُ أو الجَدُّ الصبيَّ تأديبًا فهلَكَ، أو الحاكِمُ أو أمينُه أو الوصيُّ عليهِ تأديبًا، فلا ضَمانَ عليهم كالمعلِّمِ (١).

وقالَ الإمامُ بَدرُ الدِّينِ العينِيُّ : اختَلفوا فيمَن ماتَ مِنْ التعزيرِ، فقالَ الشافِعيُّ: عَقلُه على عاقِلةِ الإمامِ وعليه الكفَّارةُ، وقيلَ: على بيتِ المالِ، وجُمهورُ العُلماءِ على أنه لا يَجبُ شيءٌ على أحَدٍ (٢).


(١) «المغني» (٩/ ١٤٩، ١٥٠).
(٢) «عمدة القاري» (٢٣/ ٢٦٩)، و «منح الجليل» (٩/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>