للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَحتاجُ في إقامتِه التَّعزيرَ إلى مُطالَبةٍ؛ لأنه مِنْ حُقوقِ اللهِ تعالَى، فلا يَحتاجُ في إقامتِه إلى مُطالَبةٍ؛ لأنه شُرعَ للتأديبِ، فللإمامِ إقامتُه إذا رآهُ، وله تَركُه إنْ جاءَ تائِبًا مُعتَرِفًا يَظهرُ منه الندَمُ والإقلاعُ؛ لِما رَوى ابنُ مَسعودٍ : «أنَّ رَجلًا أتَى النبيَّ فقالَ: إني لَقيتُ امرأةً فأصَبْتُ منها ما دونَ أن أطَأَها، فقالَ: أصَلَّيتَ معنَا؟ قالَ: نعم، فتَلا عليهِ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]» (١) (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ التعزيرَ غيرُ واجبٍ، بل هو مُباحٌ، ويَجوزُ للإمامِ تَركُه إذا كانَ لحَقِّ اللهِ ولم يَتعلَّقْ به حَقُّ آدَميٍّ، فإنْ تَعلَّقَ به وجَبَ.

وقيلَ: يَجوزُ تَركُه سَواءٌ كانَ لحَقِّ اللهِ تعالى أو لآدَميٍّ.

والدَّليلُ على أنه مُباحٌ وجائزٌ غيرُ واجِبٍ أنَّ النبيَّ عفَى عن كثيرٍ مِنْ مُستحِقِّيه ولم يَعفُ عن واجِبٍ مِنْ الحُدودِ، وقالَ حِينَ سُئلَ العفوَ عن حَدٍّ: «لا عفَا اللهُ عنِّي إنْ عَفَوتُ»، فممَّا عفَا عنه مِنْ التعزيرِ أنه «أُتِيَ وقد حُظِرَ الغُلولُ برَجلٍ قد غَلَّ مِنْ الغَنيمةِ فلم يُعزِّرْه».

وقالَ له رَجلٌ وهو يَقسمُ الصَّدقاتِ: «اعدِلْ يا رَسولَ اللهِ، فتَمعَّرَ وجهُه وقالَ: ثَكلتْكَ أمُّكَ، إذا لم أعدِلْ فمَن يَعدلُ» ولم يَعزِّرْه، وفيه أنزَلَ اللهُ سُبحانَه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨].


(١) رواه البخاري (٥٢٦)، ومسلم (٢٧٦٣).
(٢) «المغني» (٩/ ١٤٩)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٣٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٥٤، ١٥٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢٢٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>