للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقَولِ النبيِّ : «أَقيلُوا ذَوِي الهَيئاتِ عَثراتِهم إلا في الحُدودِ» (١).

ورُويَ: «أنَّ الزُّبيرَ ورَجلًا مِنْ الأنصارِ اختَصمَا إلى النبيِّ في شِراجِ الحَرَّةِ -و (الحَرَّةُ): هي الأرضُ المُلبسةُ بالحَصى، و (الشِّراجُ): هي الساقِيةُ التي فيها الماءُ-، فقالَ النبيُّ : «اسقِ يا زُبيرُ أرضَكُم، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِكَ، فقالَ الأنصارِيُّ: أنْ كانَ ابنَ عمَّتِكَ يا رَسولَ اللهِ؟! فغَضبَ رَسولُ اللهِ وقالَ: اسقِ يا زُبيرُ، ثمَّ احبِسِ الماءَ حتَّى تَبلغَ أُصولَ الجَدرِ» (٢).

فمَوضعُ الدَّليلِ: أنَّ الأنصارِيَّ اتهَمَ النبيَّ أنه قَضَى للزبيرِ لأنه ابنُ عمَّتِه، وهذا يَستحقُّ به القَتلَ فَضلًا عن التعزيرِ، فتَركَ النبيُّ تَعزيرَه.

وقيلَ: إنما أمَرَ النبيُّ الزبيرَ أنْ يَسقيَ أرضَه إلى أنْ يَبلغَ الماءُ إلى الجَدْرِ، وذلكَ زائدٌ على ما تَستحقُّه مِنْ الشُّربِ تَعزيرًا للأنصارِيِّ حينَ قالَ ما قالَ، وكانَ ذلكَ حينَ كانَتِ العُقوباتُ في الأموالِ.

وكانَ قَولُ الأنصارِيِّ هذا يَقتضِي التعزيرَ، وإنما ترَكَ النبيُّ تَعزيرَه على ما مَضَى، ولأنه ضَربٌ غيرُ مَحدودٍ، فلمْ يَكنْ واجبًا كضَربِ الزوجِ زوْجتَه، وكما لو غلَبَ على ظَنِّ الإمامِ أنه يُصلِحُه الضربُ وغيرُ الضربِ.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٣٧٥)، وأحمد (٢٥٥١٣).
(٢) رواه البخاري (٢٢٣١)، ومسلم (٢٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>