ونقلَ عن الجامِعِ وغيرِه أنَّ مَنْ قالَ بحِلِّ البَنجِ والحَشيشةِ فهو زِنديقٌ مُبتدعٌ، بل قالَ نجمُ الدِّينِ الزَّاهديُّ: إنه يَكفرُ ويُباحُ قَتلُه.
قلتُ: ونقَلَ شَيخُنا النجمُ الغزِّيُّ الشافِعيُّ في شَرحِه على مَنظومِة أبيهِ البدرِ المُتعلِّقةِ بالكبائرِ والصَّغائرِ عن ابنِ حَجرٍ المَكيِّ أنه صرَّحَ بتَحريمِ جَوزةِ الطِّيبِ بإجماعِ الأئمَّةِ الأربَعةِ وأنها مُسكرةٌ …
قالَ ابنُ عابدِينَ ﵀: قولُه: (ويَحرمُ أكلُ البَنجِ) هو بالفَتحِ نَباتٌ يُسمَّى في العرَبيةِ شَيكَرانِ، يُصدِّعُ ويُسبِتُ ويُخلِّطُ العقلَ كما في «التَّذكرَة» للشيخِ داودَ.
زادَ في «القامُوس»: وأخبَثُه الأحمَرُ ثم الأسوَدُ، وأسلَمُه الأبيَضُ، وفيه: السَّبتُ: يومُ الأسبوعِ، والرَّجلُ الكَثيرُ النومِ، والمُسبِتُ: الذي لا يَتحرَّكُ.
وفي القُهستانِيِّ: هو أحَدُ نَوعَي شَجرِ القنبِ حَرامٌ؛ لأنه يُزيلُ العَقلَ، وعليهِ الفَتوى، بخِلافِ نَوعٍ آخَرَ منه فإنه مُباحٌ كالأفيونِ؛ لأنه وإنِ اختَلَّ العَقلُ به لا يَزولُ، وعليه يُحمَلُ ما في «الهِدايَة» وغيرِها مِنْ إباحةِ البَنجِ كما في «شَرح اللُّباب». اه
أقولُ: هذا غيرُ ظاهِرٍ؛ لأنَّ ما يُخِلُّ العقلَ لا يجوزُ أيضًا بلا شُبهةٍ، فكيفَ يُقالُ: إنه مُباحٌ؟ بل الصَّوابُ أنَّ مُرادَ صاحِبِ «الهِدايَة» وغيرِه إباحةُ قليلِه للتَّداوي ونحوِه، ومَن صرَّحَ بحُرمتِه أرادَ به القَدرَ المُسكرَ منهُ، يَدلُّ عليهِ ما في «غَايَة البَيان» عن شَرح شيخِ الإسلامِ: أكلُ قليلِ السَّقمُونيَا والبَنجِ مُباحٌ للتداوي، وما زادَ على ذلكَ إذا كانَ يَقتلُ أو يُذهبُ العقلَ حَرامٌ. اه