لا يَعرفُ السماءَ مِنْ الأرضِ ولا الطُّولَ مِنْ العَرضِ، ثم نقَلَ عن القَرافِيِّ أنه خالَفَ في ذلكَ، فنفَى عنها الإسكارَ وأثبَتَ لها الإفسادَ، ثمَّ رَدَّ عليهِ وأطالَ في تَخطئتِه وتَغليطِه.
وممَّن نَصَّ على إسكارِها أيضًا العُلماءُ بالنباتِ مِنْ الأطباءِ، وإليهِم المَرجعُ في ذلكَ، وكذلكَ ابنُ تَيميةَ، وتَبعَه مَنْ جاءَ بعدَه مِنْ مُتأخِّري مَذهبِه.
والحَقُّ في ذلكَ خِلافُ الإطلاقينِ: إطلاقِ الإسكارِ وإطلاقِ الإفسادِ؛ وذلكَ أنَّ الإسكارَ يُطلَقُ ويُرادُ به مُطلَقُ تَغطيةِ العَقلِ، وهذا إطلاقٌ أعَمُّ، ويُطلَقُ ويُرادُ به تَغطيةُ العَقلِ مع نَشوةٍ وطَربٍ، وهذا إطلاقٌ أخَصُّ، وهو المُرادُ مِنْ الإسكارِ حيثُ أُطلِقَ.
فعَلى الإطلاقِ الأولِ بينَ المُسكرِ والمُخدِّرِ عُمومٌ مُطلَقٌ؛ إذْ كلُّ مُخدِّرٌ مُسكِرٌ وليسَ كلُّ مُسكرٍ مُخدِّرًا، فإطلاقُ الإسكارِ على الحَشيشةِ والجَوزةِ ونحوِهما المَرادُ منه التَّخديرُ، ومَن نَفاهُ عن ذلكَ أرادَ به معناهُ الأخَصَّ.
وتَحقيقُه أنَّ مِنْ شأنِ السُّكْرِ بنحوِ الخَمرِ أنه يَتولدُ عنه النَّشوةُ والنَّشاطُ والطَّربُ والعَربدةُ والحَميةُ، ومِن شأنِ السُّكرِ بنحوِ الحَشيشةِ والجَوزةِ أنه يَتولدُ عنه أضدادُ ذلكَ مِنْ تَخديرِ البدنِ وفُتورِه ومِن طُولِ السُّكوتِ والنَّومِ وعَدمِ الحَميةِ، وبقَولِي:«مِنْ شأنِه فيهِما» يُعلَمُ رَدُّ ما أورَدَه الزَّركشيُّ على القَرافِيِّ مِنْ أنَّ بعضَ شَرَبةِ الخَمرِ يُوجَدُ فيه ما ذُكرَ في نحوِ الحَشيشةِ، وبعضَ أكَلةِ نحوِ الحَشيشةِ يُوجدُ فيه ما ذُكرَ في الخَمرِ.