قالَ: وإنما لم يَتكلَّمْ فيها الأئمَّةُ الأربَعةُ لأنها لم تَكنْ في زَمنِهم، وإنما ظهَرَتْ في آخِرِ المِائةِ السادسةِ وأولِ المائةِ السابعةِ حينَ ظهَرتْ دولةُ التتارِ.
وذكَرَ الماوَرديُّ قَولًا أنَّ النباتَ الذي فيه شِدةٌ مُطرِبةٌ يجبُ فيه الحَدُّ، ثمَّ ما ذكَرتُه في الجوزةِ هو ما أفتَيتُ به فيها قَديمًا لمَّا وقَعَ فيها نِزاعٌ بينَ أهلِ الحَرمينِ ومِصرَ، وظَفرتُ فيها مِنْ النقلِ بعدَ الفَحصِ والتَّنقيرِ بما لم يَظفَروا به.
ولذا سُئلَ عنها جَمعٌ مُتأخِّرونَ فأبَدَوا فيها آراءً مُتخالِفةً بَحثًا مِنْ غيرِ نَقلٍ، فلمَّا عُرضَ عليَّ السُّؤالُ أجَبتُ فيها بالنقلِ الصريحِ والدليلِ الصَّحيحِ رادًّا على مَنْ خالَفَ ما ذكَرتُه وإنْ جَلَّتْ مَرتبتُه.
ومُحصَّلُ السؤالِ: هل قالَ أحَدٌ مِنْ الأئمَّةِ أو مُقلِّدِيهم بتَحريمِ أكلِ جَوزةِ الطِّيبِ؟ وهل لبَعضِ طَلبةِ العلمِ الآنَ الإفتاءُ بتَحريمِ أكلِها وإنْ لم يَطَّلعْ على نَقلٍ بهِ؟ فإنْ قلتُم:«نَعمْ» فهل يَجبُ الانقيادُ لفَتواهُ؟
ومُحصلُ الجَوابِ الذي أجَبتُ به عن ذلكَ السُّؤالِ الذي صرَّحَ به الإمامُ المُجتهِدُ شيخُ الإسلامِ ابنُ دَقيقٍ العيدُ أنها -أعني الجَوزةَ- مُسكِرةٌ، ونقَلَه عنه المُتأخِّرونَ مِنْ الشافِعيةِ والمالِكيةِ واعتَمَدوه، وناهِيكَ بذلكَ، بل بالَغَ ابنُ العِمادِ فجعَلَ الحَشيشةَ مَقيسةً على الجَوزةِ المَذكورةِ؛ وذلكَ أنه لمَّا حكَى عن القَرافِيِّ نَقلًا عن بَعضِ فُقهاءِ عصرِه أنه فرَّقَ في إسكارِ الحَشيشةِ بينَ كونِها وَرقًا أخضَرَ فلا إسكارَ فيها، بخِلافِها بعدَ التَّحميصِ فإنها تُسكِرُ، قالَ: والصوابُ أنه لا فرْقَ؛ لأنها مُلحَقةٌ بجَوزةِ الطِّيبِ