للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قَولُه تَعالى: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ [النور: ٨] فَلا حُجَّةَ فيهِ؛ لأنَّ دفْعَ العَذابِ يَقتضِي تَوجُّهَ العَذابِ لا وُجوبهُ؛ لأنَّه حِينَئذٍ يَكونُ رَفعًا لا دَفعًا، عَلى أنَّه يُحتمَلُ أنْ يكُونَ المُرادُ مِنْ العَذابِ هوَ الحَبسُ؛ إذِ الحَبسُ يُسمَّى عَذابًا، قالَ اللهُ تَعالى في قِصَّةِ الهُدهُدِ: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١]، قِيلَ في التَّفسيرِ: لَأَحبِسَنَّه، وهَذا لأنَّ العَذابَ يُنبِئُ عَنْ مَعنَى المَنعِ في اللُّغةِ، يُقالُ: «أَعْذَبَ» أيْ مَنَعَ، و «أَعْذَبَ» أي امتَنَعَ، يُستعمَلُ لازِمًا ومُتعَدِّيًا، ومَعنَى المَنعِ يُوجَدُ في الحَبسِ، وهَذا هوَ مَذهَبُنا أنَّها إذا امتَنعَتْ مِنْ اللِّعانِ تُحبَسُ حتَّى تُلاعِنَ أو تُقِرَّ بالزِّنا فيَدرَأُ عَنها العَذابَ وهوَ الحَبسُ باللِّعانِ، فإذَنْ قُلنَا بمُوجَبِ الآيةِ الكريمَةِ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا قذَفَ زوْجَتَه بالزنا لَزمَ الزوجَ ما يَلزمُ بقذفِ أجنَبيةٍ، فيَجبُ عليه حدُّ القذفِ إنْ كانَتْ مُحصَنةً، والتعزيرُ إنْ كانَتْ غيرَ مُحصَنةٍ، وحُكِمَ بفِسقِه إذا لم يُلاعِنْ.

فإنْ طُولِبَ بالحدِّ أو التعزيرِ فلهُ أنْ يُسقِطَ ذلك عن نفسِه بإقامةِ البيِّنةِ على الزنا، وله أنْ يُسقِطَ ذلكَ باللعانِ، أو أنْ تُصدِّقُه المرأةُ على ذلكَ، فإنْ لاعَنَ فلا حَدَّ عليهِ، وإنْ لم يأتِ ببيِّنةٍ أو لم تُصدِّقْه المرأةُ ولم يُلاعِنْ فيُقامُ عليه حدُّ القذفِ إنْ كانَتْ مُحصنةً، والتعزيرُ إنْ كانَتْ غيرَ مُحصنةٍ؛ لقَولِه


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٣٨، ٢٣٩)، و «الهداية» (٢/ ٢٣)، و «العناية» (٦/ ٥٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>