للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٦]، أي: فلْيَشهَدْ أحَدُهم أربَعَ شَهاداتٍ باللَّهِ، جَعَلَ مُوجبَ قَذفِ الزَّوجَاتِ اللِّعَانَ، فمَن أَوجَبَ الحَدَّ فقَدْ خالَفَ النَّصَّ، ولأنَّ الحَدَّ إنَّما يَجبُ لِظُهورِ كَذبِه في القَذفِ، وبالامتِناعِ مِنْ اللِّعانِ لا يَظهرُ كِذبُه؛ إذْ ليسَ كلُّ مَنْ امتَنَعَ مِنْ الشَّهادةِ أو اليَمينِ يَظهَرُ كَذبُه فيهِ، بلْ يُحتمَلُ أنهُ امتَنَعَ منهُ صَونًا لنَفسِه عنِ اللَّعنِ والغضَبِ، والحَدُّ لا يَجبُ معَ الشُّبهَةِ، فكَيفَ يَجبُ مع الاحتِمَالِ؟!

ولأنَّ الاحتِمالَ مِنْ اليَمينِ بدَلٌ وإباحةٌ، والإباحَةُ لا تَجرِي في الحُدودِ، فإنَّ مَنْ أباحَ للحاكِمِ أنْ يُقِيمَ عَليهِ الحَدَّ لا يَجوزُ له أنْ يُقِيمَ.

وأمَّا آيَةُ القَذفِ فقَدْ قِيلَ أنَّ مُوجَبَ القَذفِ في الابتِداءِ كانَ هوَ الحَدَّ في الأجنبيَّاتِ والزَّوجاتِ جَميعًا، ثمَّ نُسِخَ في الزَّوجاتِ وجُعِلَ مُوجَبُ قَذفِهنَّ اللِّعانَ بآيَةِ اللِّعانِ.

والدَّليلُ عَليهِ ما رُويَ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ أنهُ قالَ: «كُنَّا جُلوسًا في المَسجدِ لَيلَةَ الجُمعةِ، فجاءَ رَجلٌ مِنْ الأنصَارِ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ أَرأَيتُم الرَّجلَ يَجِدُ معَ امرَأتِه رَجلًا، فإنْ قَتَلَه قَتلتُموهُ، وإنْ تَكلَّمَ بهِ جَلَدتُموهُ، وإنْ أَمسَكَ أَمسَكَ عَلى غَيظٍ، ثمَّ جعَلَ يَقولُ: اللَّهُمَّ افتَحْ، فنزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ»، دلَّ قَولُه: «وإنْ تَكلَّمَ بهِ جَلَدتُموهُ» على أنَّ مُوجَبَ قَذفِ الزَّوجةِ كانَ الحَدَّ قبْلَ نُزولِ آيَةِ اللِّعَانِ، ثمَّ نُسِخَ في الزَّوجاتِ بآيَةِ اللِّعانِ، فيَنسَخُ الخاصُّ المُتَأخِّرُ العامَّ المُتقَدِّمَ بقَدرِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>