قالَ الشريفُ أبو جَعفرٍ: هذا ظاهر كَلامِ أحمَدَ، وعن الشافِعيِّ ثَلاثةُ أقوالٍ كهذهِ الثلاثةِ.
ولنا: إنه سَببٌ يُبيحُ دَمَه، فلم يَزُلْ مِلكُه كزِنا المُحصَنِ والقتلِ لمَن يُكافئُه عَمدًا، وزَوالُ العِصمةِ لا يَلزمُ منه زَوالُ المِلكِ؛ بدليلِ الزاني المُحصَنِ والقاتِلِ في المُحارَبةِ وأهلِ الحَربِ؛ فإنَّ مِلكَهم ثابتٌ مع عدمِ عِصمتِهم، ولو لَحِقَ المُرتدُّ بدارِ الحَربِ لم يَزُلْ مِلكُه، لكنْ يُباحُ قتلُه لكلِّ أحَدٍ مِنْ غيرِ استِتابةٍ وأخذُ مالِه لمَن قدَرَ عليه؛ لأنه صارَ حَربيًّا حُكمُه حُكمُ أهلِ الحَربِ.
وكذلكَ لو ارتَدَّ جَماعةٌ وامتَنَعوا في دارِهم عن طاعةِ إمامِ المُسلمينَ زالَتْ عِصمتُهم في أنفُسِهم وأموالِهم؛ لأنَّ الكفَّارَ الأصليِّينَ لا عِصمةَ لهم في دارِهم، فالمُرتدُّ أَولى.
فصلٌ: ويُؤخذُ مالُ المُرتدِّ فيُجعلُ عندَ ثِقةٍ مِنْ المُسلمينَ، وإنْ كانَ له إماءٌ جُعِلْنَ عندَ امرأةٍ ثقةٍ؛ لأنهنَّ مُحرَّماتٌ عليه، فلا يُمكَّنُ منهنَّ، وذكَرَ القاضي أنه يُؤجَّرُ عقارُه وعَبيدُه وإماؤُه، والأَولى أنْ لا يُفعلَ؛ لأنَّ مدَّةَ انتظارِه فيها ضَررٌ، فلا يفوتُ عليه مَنافعُ مِلكِه فيما لا يَرضاهُ مِنْ أجْلِها؛ فإنه ربَّما راجَعَ الإسلامَ، فيَمتنعُ عليه التصرُّفُ في مالِه بإجارةِ الحاكِمِ له، وإنْ لَحِقَ بدارِ الحَربِ أو تَعذَّرَ قتلُه مُدةً طويلةً فعَلَ الحاكمُ ما يَرَى الحظَّ فيه مِنْ بَيعِ الحيَوانِ الذي يَحتاجُ إلى النفقةِ وغيرِه وإجارةِ ما يَرَى إبقاءَه، والمُكاتبُ يُؤدِّي إلى الحاكِمِ، فإذا أدَّى عُتقَ؛ لأنه نائِبٌ عنه (١).