للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولُ الثَّالثُ: أنَّه تَجوزُ صَلاةُ القائِمِ خلفَ القاعِدِ العاجِزِ، وأنَّه لا تَجوزُ صَلاتُهم وَراءَه قُعودًا، وإنَّما يُصَلُّونَ خلفَه قيامًا؛ لأنَّه قادِرٌ على القيامِ، فلم يَجُز له تَركُه، كالمُنفرِدِ؛ ولأنَّ عَجزَ الإمامِ لا يَكونُ عُذرًا لِلمُقتَدي في تَركِ ذلك الرُّكنِ؛ لأنَّ فَضلَ الجَماعةِ لا يَنتَفي بنُقصانِ الرُّكنِ.

وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيَّةُ وبَعضُ المالِكيَّةِ؛ لحَديثِ عائِشَةَ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ في مرَضِه الذي تُوُفِّيَ فيه: «مُرُوا أَبا بَكرٍ فَليُصلِّ بِالنَّاسِ. قالَت: فَأَمَرُوا أَبا بَكرٍ يُصلِّى بِالنَّاسِ، قالَت: فلمَّا دخلَ في الصَّلاةِ وجدَ رَسولُ اللهِ مِنْ نَفسِهِ خِفَّةً، فَقامَ يُهادَى بينَ رَجلَينِ، وَرِجلَاهُ تَخُطَّانِ في الأرضِ، قالَت: فلمَّا دخلَ المَسجدَ سمِع أَبو بَكرٍ حِسَّهُ، ذَهب يَتَأَخَّرُ، فَأَومَأَ إليه رَسولُ اللهِ : قُم مَكانَكَ. فَجَاءَ رَسولُ اللهِ حتى جلسَ عن يَسَارِ أبي بَكرٍ، قالَت: فَكانَ رَسولُ اللهِ يُصلِّي بِالنَّاسِ جالسًا، وأَبو بَكرٍ قائِمًا، يَقتَدِي أَبو بَكرٍ بِصَلاةِ النَّبيِّ ، وَيَقتَدِي الناسُ بِصَلاةِ أبي بَكرٍ» (١) رَواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ، هذا لَفظُ إحدى رِواياتِ مُسلِمٍ، وهي صَريحةٌ في أنَّ النَّبيَّ كانَ الإمامَ، وأنَّ أَبا بَكرٍ كان يَقتَدي به؛ لأنَّه جلسَ عن يَسارِ أبي بَكرٍ، ولقولِها: «يُصلِّي بِالنَّاسِ»، ولقولِها: «يَقتَدِي بِه أَبو بَكرٍ»، وفي رِوايةٍ لِمُسلِمٍ: «وَكانَ النَّبيُّ يُصلِّي بِالنَّاسِ وَأَبو بَكرٍ يُسمِعُهم التَّكبيرَ» (٢).


(١) رواه البُخاري (٦٣٣، ٦٥١، ٦٨١)، ومُسلِم (١٤٨).
(٢) رواه مُسلِم (٤١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>