زَوجَينِ مِنْ غيرِ أنْ يَشعرَ أحَدُهما بعَقدِ الآخَرِ، قالَ: والذِي عندِي فيه أنَّ عقْدَ الإمامةِ لشخصَينِ في صِقعٍ واحِدٍ مُتضايقِ الخُططِ والمَخاليفِ غيرُ جائزٍ، وقد حصَلَ الإجماعُ عليهِ، فأما إذا بَعُدَ المَدى وتخلَّلَ بينَ الإمامَينِ شُسوعُ النَّوى فللِاحتمالِ في ذلكَ مَجالٌ، وهو خارجٌ عن القواطِعِ، وكانَ الأستاذُ أبو إسحاقَ يُجوِّزُ ذلكَ في أقليمَينِ مُتباعِدينِ غايةَ التباعُدِ؛ لئلَّا تَتعطلَ حُقوقُ الناسِ وأحكامُهم.
وذهَبَتِ الكرَّاميةُ إلى جَوازِ نَصبِ إمامَينِ مِنْ غيرِ تَفصيلٍ، ويُلزِمُهم إجازةَ ذلكَ في بلدٍ واحِدٍ، وصاروا إلى أنَّ عليًّا ومُعاويةَ كانَا إمامَينِ، قالوا: وإذا كانَا اثنَينِ في بلدَينِ أو ناحِيتينِ كانَ كلُّ واحدٍ منهُما أقوَمَ بما في يَدَيه وأضبَطَ لِما يَليهِ، ولأنه لمَّا جازَ بِعثةُ نَبيَّينِ في عَصرٍ واحدٍ ولم يُؤَدِّ ذلكَ إلى إبطالِ النبوَّةِ كانَتِ الإمامةُ أَولى ولا يُؤدِّي ذلكَ إلى إبطالِ الإمامةِ.
والجوابُ أنَّ ذلكَ جائزٌ لولَا مَنعُ الشرعِ منهِ؛ لقَولِه:«فاقتُلوا الآخِرَ منهُما»، ولأنَّ الأمَّةَ عليهِ، وأما مُعاويةُ فلَم يدَّعِ الإمامةَ لنفسِه، وإنما ادَّعى وِلايةَ الشامِ بتَوليةِ مَنْ قبلَه مِنْ الأئمَّةِ، وممَّا يَدلُّ على هذا إجماعُ الأمَّةِ في عَصرِهما على أنَّ الإمامَ أحَدُهما، ولا قالَ أحَدُهما: أني إمامٌ ومُخالِفي إمامٌ (١).
وقالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀: لا يَجوزُ نَصبُ إمامَينِ في وقتٍ واحدٍ وإنْ تباعَدَ إقليماهُما، وقالَ الأستاذُ أبو إسحَقَ: يَجوزُ نَصبُ إمامَينِ في إقليمَينِ؛ لأنه قد يحتاجُ إليه، وهذا اختيارُ الإمامِ.