وأما أمرُ عَليٍّ والحَسنِ ومُعاويةَ فقدْ صَحَّ عن النبيِّ ﷺ أنه أنذَرَ بخارِجةٍ تَخرجُ مِنْ طائفَتينِ مِنْ أمَّةٍ يَقتلُها أَولى الطائفَتينِ بالحَقِّ، فكانَ قاتِلَ تلكَ الطائفةِ عَليٌّ ﵁، فهو صاحِبُ الحقِّ بلا شَكٍ، وكذلكَ أنذَرَ ﵇ بأنَّ عمَّارًا تَقتلُه الفِئةُ الباغيةُ، فصَحَّ أنَّ عَليًّا هو صاحِبُ الحقِّ، وكانَ عليٌّ السابقَ إلى الإمامَةِ، فصَحَّ بعدُ أنَّ صاحِبَها وأنَّ مَنْ نازَعَه فيها فمُخطئٌ، فمُعاويةُ ﵁ مُخطئٌ مَأجورٌ مرَّةً؛ لأنه مُجتهِدٌ، ولا حُجةَ في خَطأِ المُخطئِ، فبطَلَ قولُ هذهِ الطائفةِ.
وأيضًا فإنَّ قولَ الأنصارِ ﵃: «منَّا أميرٌ ومنكُم أميرٌ» يُخرَّجُ على أنهُم إنما أرادُوا أنْ يليَ والٍ منهُم، فإذا ماتَ وَلِيَ مِنْ المُهاجِرينَ آخَرُ، وهكذا أبدًا، لا على أنْ يكونَ إمامانِ في وَقتٍ، وهذا هو الأظهَرُ مِنْ كَلامِهم، وأما عليٌّ ومُعاويةُ ﵄ فمَا سلَّمَ قطُّ أحَدُهما للآخَرِ، بل كلُّ واحِدٍ منهُما يَزعمُ أنه المُحِقُّ، وكذلكَ كانَ الحَسنُ ﵁ إلى أنْ أسلَمَ الأمرَ إلى مُعاويةَ، فإذا هذا كذلكَ فقدْ صَحَّ الإجماعُ على بُطلانِ قَولِ ابنِ كرَّامٍ وأبي الصباحِ، وبطَلَ أنْ يكونَ لهُم تعلُّقٌ في شَيءٍ أصلًا، وباللهِ تعالَى التوفيقُ (١).
وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ ﵀: فأما إقامةُ إمامَينِ أو ثَلاثةٍ في عصرٍ واحدٍ وبَلدٍ واحدٍ فلا يَجوزُ إجماعًا؛ لِما ذكَرْنا، قالَ الإمامُ أبو المَعالِي: ذهَبَ أصحابُنا إلى مَنعِ عَقدِ الإمامةِ لشَخصَينِ في طَرفي العالَمِ ثُم قالوا: لو اتَّفقَ عَقدُ الإمامةِ لشخصَينِ نزلَ ذلكَ مَنزلةَ تَزويجِ وَليَّينِ امرأةً واحِدةً مِنْ
(١) «الفصل في الملل» (٤/ ٧٣، ٧٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute