وأقاموا الحدودَ على مَنْ وَجبَتْ عليهِ أجزَأَهم ذلكَ، ولا يَجبُ عليهِم أنْ يَنصِبوا إمامًا يَتولَّى ذلكَ.
ودليلُنا: قَولُ اللهِ تعالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، وقولُه تعالَى: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: ٢٦]، وقالَ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النور: ٥٥] أي: يَجعلُ منهُم خُلفاءَ، إلى غيرِ ذلكَ مِنْ الآيِ، وأجمَعَتِ الصحابةُ على تَقديمِ الصِّدِّيقِ بعدَ اختِلافٍ وقَعَ بينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ في سَقيفةِ بَني ساعِدةَ في التَّعيينِ، حتى قالَتِ الأنصارُ: منَّا أميرٌ ومنكُم أميرٌ، فدفَعَهم أبو بَكرٍ وعُمرُ والمُهاجِرونَ عن ذلكَ وقالُوا لهم: إنَّ العرَبَ لا تَدِينُ إلا لهذا الحيِّ مِنْ قُريشٍ، ورَوَوا لهُم الخبَرَ في ذلكَ، فرَجَعوا وأطاعُوا لقُريشٍ، فلو كانَ فَرضُ الإمامةِ غيرَ واجِبٍ لا في قُريشٍ ولا في غَيرِهم لَمَا ساغَتْ هذه المُناظَرةُ والمُحاوَرةُ عليها، ولَقالَ قائِلٌ: إنها ليسَتْ بواجِبةٍ لا في قُريشٍ ولا في غيرِهم، فما لِتَنازُعِكم وَجهٌ ولا فائِدةٌ في أمرٍ ليسَ بواجِبٍ؟! ثُم إنَّ الصدِّيقَ ﵁ لمَّا حضَرَتْه الوَفاةُ عَهِدَ إلى عُمرَ في الإمامةِ، ولم يَقلْ له أحَدٌ: «هذا أمرٌ غيرُ واجِبٍ عَلينا ولا عَليكَ»، فدَلَّ على وجوبِها وأنها رُكنٌ مِنْ أركانِ الدِّينِ الذي به قِوامُ المُسلمينَ، والحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ (١).
وقالَ الإمامُ القَرافِيُّ ﵀: نَصبُ الإمامِ للأمَّةِ واجِبٌ مع القُدرةِ، وأنه مَوكولٌ إلى أهلِ الحَلِّ والعَقدِ دونَ النصِّ، وأنه مِنْ فُروضِ الكِفايةِ، ويَجبُ
(١) «تفسير القرطبي» (١/ ٢٦٤، ٢٦٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute