للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهِ تعالَى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، مع أحادِيثَ كَثيرةٍ صِحاحٍ في طاعةِ الأئمَّةِ وإيجابِ الإمامةِ.

وأيضًا فإنَّ اللهَ ﷿ يَقولُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، فوجَبَ اليقينُ بأنَّ اللهَ تعالَى لا يُكلِّفُ الناسَ ما ليسَ في بِنيَتِهم واحتِمالِهم، وقد عَلِمْنا بضَرورةِ العَقلِ وبَديهَتِه أنَّ قيامَ الناسِ بما أوجَبَه اللهُ تعالَى مِنْ الأحكامِ عليهِم في الأموالِ والجِناياتِ والدِّماءِ والنكاحِ والطَّلاقِ وسائرِ الأحكامِ كلِّها ومَنعِ الظالمِ وإنصافِ المَظلومِ وأخذِ القِصاصِ على تَباعُدِ أقطارِهم وشَواغلِهم واختلافِ آرائِهم، وامتِناعُ مَنْ تَحرَّى في كلِّ ذلكَ مُمتنِعٌ غيرُ ممكِنٍ؛ إذ قد يُريدُ واحدٌ أو جَماعةٌ أنْ يَحكمَ عليهِم إنسانٌ ويُريدُ آخَرُ أو جَماعةٌ أخرى أنْ لا يَحكمَ عليهِم، إما لأنها تَرى في اجتِهادِها خِلافَ ما رَأى هؤلاءِ، وإما خِلافًا مُجرَّدًا عليهِم، وهذا الذي لا بُدَّ منه ضَرورةً، وهذا مُشاهَدٌ في البِلادِ التي لا رَئيسَ لها؛ فإنه لا يُقامُ هناكَ حُكمُ حقٍّ ولا حَدٌّ، حتى قد ذهَبَ الدِّينُ في أكثرِها، فلا تَصحُّ إقامةُ الدِّينِ إلا بالإسنادِ إلى واحِدٍ أو إلى أكثرَ مِنْ واحدٍ، فإذْ لا بُدَّ مِنْ أحَدِ هذَينِ الوَجهينِ؛ فإنَّ الاثنينِ فصَاعدًا بينَهُما ما ذكَرْنا، فلا يَتمُّ أمرٌ البتَّةَ، فلَم يَبْقَ وَجهٌ تَتمُّ به الأمورُ إلا الإسنادُ إلى واحدٍ فاضلٍ عالمٍ حسَنِ السياسةِ قَويٍّ على الإنفاذِ، إلا أنه وإنْ كانَ بخِلافِ ما ذكَرْنا فالظلمُ والإهمالُ معَه أقلُّ منه مع الاثنينِ فصاعدًا، وإذ ذلكَ كذلكَ ففَرضٌ لازِمٌ لكلِّ الناسِ أنْ يَكفُّوا مِنْ الظُّلمِ ما أمكَنَهم، إنْ قَدَروا على كفِّ كلِّه لَزمَهم ذلكَ (١).


(١) «الفصل في الملل والنحل» (٤/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>