للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ أبو مُحمدٍ : اختَلفَ الناسُ في هذا، فقالَتْ طائفةٌ: لا يَجوزُ أنْ يُستعانَ عليهِم بحَربيٍّ ولا بذمِّيٍّ ولا بمَن يَستحلُّ قِتالَهم مُدبِرينَ، وهذا قولُ الشافِعيِّ ، وقالَ أصحابُ أبي حَنيفةَ: لا بأسَ بأنْ يُستعانَ عليهِم بأهلِ الحَربِ وبأهلِ الذمَّةِ وبأمثالِهم مِنْ أهلِ البغيِ، وقد ذكَرْنا هذا في كِتابِ الجِهادِ مِنْ قَولِ رسولِ اللهِ : «إنَّنا لا نَستعينُ بمُشرِكٍ»، وهذا عُمومٌ مانعٌ مِنْ أنْ يُستعانَ به في وِلايةٍ أو قِتالٍ أو شَيءٍ مِنْ الأشياءِ، إلا ما صَحَّ الإجماعُ على جَوازِ الاستعانةِ به فيهِ كخِدمةِ الدابَّةِ أو الاستِئجارِ أو قضاءِ الحاجَةِ ونَحوِ ذلكَ مما لا يَخرجونَ فيه عن الصَّغارِ.

والمُشرِكُ: اسمٌ يَقعُ على الذمِّيِّ والحَربيِّ.

قالَ أبو محمد : هذا عِندَنا ما دامَ في أهلِ العَدلِ مَنعةٌ، فإنْ أشرَفُوا على الهَلكةِ واضطرُّوا ولم تَكنْ لهم حِيلةٌ فلا بأسَ بأنْ يَلجَؤوا إلى أهلِ الحَربِ وأنْ يَمتنِعوا بأهلِ الذمَّةِ، ما أَيقَنوا أنهُم في استِنصارِهم لا يُؤذُونَ مُسلمًا ولا ذمِّيًّا في دمٍ أو مالٍ أو حُرمةٍ ممَّا لا يَحلُّ.

بُرهانُ ذلكَ: قولُ اللهِ تعالَى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٩]، وهذا عُمومٌ لكلِّ مَنْ اضطرَّ إليه، إلا ما منَعَ منه نَصٌّ أو إجماعٌ.

فإنْ عَلِمَ المُسلمُ واحِدًا كانَ أو جَماعةً أنَّ مَنْ استَنصرَ به مِنْ أهلِ الحَربِ أو الذمَّةِ يُؤذونَ مُسلمًا أو ذمِّيًّا فيما لا يَحلُّ فحَرامٌ عليهِ أنْ يَستعينَ بهما وإنْ هلَكَ، لكنْ يَصبِرُ لأمرِ اللهِ تعالَى وإنْ تَلفَتْ نفسُه وأهلُه ومالُه، أو يُقاتِلُ حتى يَموتَ شَهيدًا كَريمًا، فالموتُ لا بُدَّ منه ولا يَتعدَّى أحَدًا أجَلُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>