للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الاستِعانةُ عليهِم بمَن يَرَى قِتالَهم مِنْ المُسلمينَ مُقبِلينَ ومُدبِرينَ فقدْ منَعَ الشافِعيُّ منه؛ لِما يَلزمُ مِنْ الكفِّ عنهُم إذا انهَزَموا.

فإذا ثبَتَ أنه مَمنوعٌ مِنْ الاستِعانةِ فقدِ اختَلفَ أصحابُنا فيه على وجَهينِ: أحَدُهما: أنه مَنعُ تَحريمٍ وحَظرٍ، والثاني: أنه مَنعُ نَدبٍ واستِحبابٍ.

فإنْ دَعتْه الضَّرورةُ إلى الاستِعانةِ بهم لعَجزِ أهلِ العَدلِ عن مُقاوَمتِهم جازَ أنْ يَستعينَ بهم على ثَلاثةِ شُروطٍ:

أحَدُها: أنْ لا يَجِدَ عَونًا غيرَهم، فإنْ وجَدَ لم يَجُزْ.

والثاني: أنْ يَقدِرَ على رَدِّهم إنْ خالَفُوا، فإنْ لم يَقدرْ على رَدِّهم لم يَجُزْ.

والثالِثُ: أنْ يَثقَ بما شرَطَه عليهِم أنْ لا يَتبعُوا مُدبِرًا ولا يُجهِزُوا على جَريحٍ، فإنْ لم يَثقْ بوَفائِهم لم يَجُزْ (١).

وقالَ العَمرانِيُّ : ولا يَجوزُ للإمامِ أنْ يَستعينَ على قتالِ أهلِ البَغيِ بمَن يَرى جوازَ قَتلِهم مُدبِرينَ مِنْ المُسلمينَ؛ لأنه يعرفُ أنهم يَظلمونَ، فإنْ كانَ لا يَقدرُ على قِتالِ أهلِ البغيِ إلا بالاستعانةِ بهم .. جازَ إذا كانَ مع الإمامِ مَنْ يَمنعُهم مِنْ قَتلِهم مُدبِرينَ.

ولا يَجوزُ للإمامِ أنْ يَستعينَ على قِتالِهم بالكفَّارِ؛ لأنهُم يَرَونَ قتْلَ المُسلمينَ مُدبِرينَ تَشفيًّا لِما في قُلوبِهم (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : لا يَجوزُ أنْ يُستعانَ عليهِم -أي البُغَاة- بكفَّارٍ؛ لأنه لا يَجوزُ تَسليطُ كافرٍ على مُسلمٍ، ولهذا لا يَجوزُ لمُستحِقِّ


(١) «الحاوي الكبير» (١٣/ ١٢٩).
(٢) «الحاوي الكبير» (١٢/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>