والآخَرُ: ما يَدلُّ ظاهِرُه على تَعظيمِ شَعائرِ الكُفرِ، وذلك كالرِّفقِ بضَعيفِهم وسَدِّ خَلةِ فَقيرِهم وإطعامِ جائِعِهم وإِكساءِ عارِيهم، ولينِ القَولِ لهم على سَبيلِ اللُّطفِ لهم، والرَّحمةِ، لا على سَبيلِ الخَوفِ والذِّلةِ.
وكذلك احتِمالُ أَذيَّتِهم في الجِوارِ مع القُدرةِ على إِزالتِه لُطفًا منَّا بهم، لا خَوفًا وتَعظيمًا، والدُّعاءُ لهم بالهِدايةِ، وأنْ يُجعَلوا من أهلِ السَّعادةِ، ونَصيحَتُهم في جَميعِ أُمورِهم في دِينِهم ودُنياهم، وحِفظُ غَيبَتِهم إذا تَعرَّض أحدٌ لأَذيَّتِهم، وصَونُ أَموالِهم وعيالِهم وأَعراضِهم، وجَميعِ حُقوقِهم ومَصالحِهم، وأنْ يُعانوا على دَفعِ الظُّلمِ عنهم، وكذلك إِيصالُهم لجَميعِ حُقوقِهم، وكلِّ خَيرٍ يَحسُنُ من الأَعلى مع الأسفَلِ أنْ يَفعلَه، ومن العَدوِّ أنْ يَفعلَه مع عَدوِّه؛ فإنَّ ذلك من مَكارمِ الأَخلاقِ (١).
حتى إنَّ الفُقهاءَ صرَّحوا بأنَّ أهلَ الحَربِ إذا استَولَوا على أهلِ الذِّمةِ فسَبَوْهم وأخَذوا أموالَهم ثم قُدِّر عليهم، وجَبَ رَدُّهم إلى ذِمَّتِهم ولمٍ يَجزِ استِرقاقُهم، وهذا في قَولِ عامةِ أهلِ العِلمِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وجُملةُ ذلك، أنَّ أهلَ الحَربِ إذا استَولَوا على أهلِ ذِمَّتِنا فسَبَوْهم وأخَذوا أَموالَهم ثم قُدِرَ عليهم وجَبَ رَدُّهم إلى ذِمَّتِهم، ولم يَجزِ استِرقاقُهم في قَولِ عامةِ أهلِ العِلمِ، منهم: الشَّعبيُّ ومالِكٌ واللَّيثُ والأَوزاعيُّ والشافِعيُّ وإسحاقُ، ولا نَعلمُ لهم مُخالِفًا؛ وذلك لأنَّ ذِمتَهم