للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى ذلك، فلأهلِ الذِّمةِ حقُّ الإقامةِ آمِنين مُطمَئنِّين على دِمائِهم وأَموالِهم وأَعراضِهم، وعلى الإمامِ حِمايتُهم من كلِّ مَنْ أَرادَ بهم سُوءًا من المُسلِمينَ أو أهلِ الحَربِ أو أهلِ الذِّمةِ؛ لأنَّه التزَمَ بالعَهدِ حِفظَهم من الاعتِداءِ عليهم، فيَجبُ عليه الذَّبُّ عنهم، ومَنعُ مَنْ يَقصِدُهم بالأذى من المُسلِمينَ أو الكُفارِ، واستِنقاذُ مَنْ أُسرَ منهم، واستِرجاعُ ما أُخذَ من أَموالِهم، سَواءٌ كانُوا مع المُسلِمينَ أو مُنفرِدينَ عنهم في بَلدٍ لهم؛ لأنَّهم بَذلوا الجِزيةَ لحِفظِهم وحِفظِ أَموالِهم (١).

ومِن مُقتَضياتِ عَقدِ الذِّمةِ: أنَّ أهلَ الذِّمةِ لا يُظلَمونَ ولا يُؤذَونَ، قالَ النَّبيُّ : «ألا مَنْ ظلَمَ مُعاهَدًا أو انتقَصَه حَقَّه أو كلَّفَه فوقَ طاقَتِه أو أخَذَ منه شَيئًا بغيرِ طِيبِ نَفسٍ منه، فأنا حَجيجُه يَومَ القيامةِ» (٢).

وقالَ الإمامُ القَرافِيُّ : والذي إجماعُ الأُمةِ عليه، أنَّ مَنْ كانَ في الذِّمةِ وجاء أهلُ الحَربِ إلى بِلادِنا يَقصدِونَه وجَبَ علينا أنْ نَخرُجَ لقِتالِهم بالكُراعِ والسِّلاحِ ونَموتَ دونَ ذلك؛ صَونًا لمَن هو في ذِمةِ اللهِ تَعالى وذِمةِ رَسولِه ؛ فإنَّ تَسليمَه دونَ ذلك إِهمالٌ لعَقدِ الذِّمةِ، ومنها أنَّ مَنْ اعتَدى عليهم ولو بكَلمةِ سُوءٍ أو غِيبةٍ في عِرضِ أحدِهم أو نَوعٍ من أَنواعِ الأَذيةِ أو أَعانَ على ذلك فقد ضيَّعَ ذِمةَ اللهِ تَعالى وذِمةَ رَسولِه وذِمةَ دِينِ الإسلامِ، تَعيَّنَ علينا أنْ نَبَرَّهم بكُلِّ أمرٍ لا يُؤدِّي إلى أحدِ الأمرَينِ:


(١) «البدائع» (٧/ ١١١)، و «الشرح الصغير» للدردير (٢/ ٢٧٣) و (٤/ ٣٣٥)، و «المهذب» (٢/ ٢٥٦)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٣٩)، و «المغني» (٨/ ٥٣٥).
(٢) سبَقَ تَخريجُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>