للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَجهُ الثالِثُ من الاعتِبارِ: يَدلُّ على أنَّه إذا سُوِّغ فِعلُ القَليلِ من ذلك أدَّى إلى فِعلِ كَثيرٍ، ثم إذا اشتُهِرَ الشَّيءُ دخَلَ فيه عَوامُّ الناسِ وتَناسَوْا أَصلَه حتى يَصيرَ عادةً للناسِ بل عيدًا حتى يُضاهى بعيدِ اللهِ بل قد يَزيدُ عليه حتى إنَّه يَكادُ أنْ يُفضيَ إلى مَوتِ الإِسلامِ وحَياةِ الكُفرِ كما قد سوَّلَه الشَّيطانُ لكَثيرٍ ممَّن يَدَّعي الإِسلامَ فيما يَفعَلونه في آخِرِ صَومِ النَّصارى من الهَدايا والأَفراحِ والنَّفَقاتِ وكِسوةِ الأَولادِ وغيرِ ذلك ممَّا يَصيرُ به مِثلَ عيدِ المُسلِمينَ، بل البِلادُ المُصاقِبةُ للنَّصارى التي قَلَّ عِلمُ أَهلِها وإِيمانُهم قد صارَ ذلك أغلَبَ عندَهم وأبهى في نُفوسِهم من عيدِ اللهِ ورَسولِه على ما حدَّثَني به الثِّقاتُ ويُؤكِّدُ صِحةَ ذلك ما رأيتُه بدمَشقَ وما حَولَها من أَرضِ الشامِ مع أنَّها أقرَبُ إلى العِلمِ والإيمانِ (١).

وقالَ أيضًا: أَعيادُ الكُفارِ كَثيرةٌ مُختلِفةٌ وليسَ على المُسلِمِ أنْ يَبحثَ عنها أو يَعرفَها، بل يَكفيه أنْ يَعرِفَ في أيِّ فِعلٍ من الأَفعالِ أو يَومٍ أو مَكانٍ أنَّ سَببَ هذا الفِعلِ أو تَعظيمَ هذا المَكانِ والزَّمانِ من جِهتِهم، ولو لمْ يَعرِفْ أنَّ سَببَه من جِهتِهم فيَكفيه أنْ يَعلمَ أنَّه لا أصلَ له في دِينِ الإسلامِ؛ فإنَّه إذا لم يَكنْ له أَصلٌ، فإمَّا أنْ يَكونَ قد أَحدَثه بعضُ الناسِ من تِلقاءِ نَفسِه أو يَكونَ مَأخوذًا عنهم، فأَقلُّ أَحوالِه أنْ يَكونَ من البِدعِ ونحن نُنبِّهُ على ما رَأينا كَثيرًا من الناسِ قد وقَعوا فيه …


(١) «اقتضاء الصراط المستقيم» (١/ ٢٠٧، ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>