للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه إذا مضَت على الجِزيةِ سَنةٌ ودخَلت ثانيةٌ؛ فإنَّ الجِزَى تَتداخَلُ، فتَسقُطُ جِزى السَّنواتِ الماضيةِ ويُطالَبُ بجِزيةِ السَّنةِ الحاليةِ (١).

واستَدلَّ لذلك بما يأتي:

بأنَّ الجِزيةَ وجَبَت عُقوبةً على الكُفرِ، فالعُقوباتُ إذا تَراكَمت تَداخَلت، خُصوصًا إذا كانَت من جِنسٍ واحِدٍ كالحُدودِ، ألَا تَرى أنَّ مَنْ زَنَى مِرارًا ثم رُفعَ أمرُه إلى الإمامِ لم يَستَوفِ منه إلا حَدًّا واحِدًا بجَميعِ الأفعالِ؟

ولأنَّ الجِزيةَ وجَبَت بَدلًا من حَقنِ الدَّمِ في المُستقبَلِ، فإذا صارَ دَمُه مَحقونًا في السَّنةِ الماضيةِ لا تُؤخذُ الجِزيةُ لأجلِها؛ لانعدامِ الحاجةِ إلى ذلك، كما إذا أسلَمَ أو ماتَ تَسقُطُ عنه الجِزيةُ؛ لعَدمِ الحاجةِ إلى الحَقنِ بالجِزيةِ.

ولأنَّ الجِزيةَ ما وجَبَت إلا لرَجاءِ الإسلامِ، وإذا لم يُوجَدَ حتى دخَلَت سَنةٌ أُخرى انقطَعَ الرَّجاءُ فيما مَضى، وبَقي الرَّجاءُ في المُستقبَلِ فيُؤخَذُ للسَّنةِ المُستقبَلةِ (٢).

وقالَ ابنُ القَيمِ : فإنِ اجتمَعت عليه جِزيةُ سِنينَ استُوفِيت كلُّها عند الجُمهورِ.


(١) «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٧٩)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ١١٢)، و «الهداية» (٢/ ١٦١)، و «فتح القدير» (٥/ ٢٩٧)، و «المغني» (١٢/ ٦٧٦)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٦٢).
(٢) المصادر السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>