للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قالَ ابنُ القَيمِ : والجِزيةُ وُضِعت في الأصلِ إذلالًا للكُفارِ وصَغارًا فلا تُجامِعُ الإسلامَ بوَجهٍ، ولأنَّها عُقوبةٌ تَسقُطُ بالإسلامِ، وإذا كانَ الإسلامُ يَهدِمُ ما قبلَه من الشِّركِ والكُفرِ والمَعاصي، فكيفَ لا يَهدِمُ ذُلَّ الجِزيةِ وصَغارَها؟ وإنَّ المَقصودَ تألُّفُ الناسِ على الإسلامِ بأنواعِ الرَّغبةِ، فكيفَ لا يُتألَّفون بإسقاطِ الجِزيةِ؟ وكانَ رَسولُ اللهِ يُعطي على الإسلامِ عَطاءً لا يُعطيه على غيرِه، وقد جعَلَ اللهُ سُبحانَه سَهمًا في الزَّكاةِ للمُؤلَّفةِ قُلوبُهم، فكيفَ لا يُسقِطُ عنهم الجِزيةَ بإسلامِهم؟ وكيفَ يُسلَّطُ الكُفارُ أنْ يَتحدَّثوا بَينَهم بأنَّ مَنْ أسلَمَ منهم أُخذَ بالضَّربِ والحَبسِ ومُنِع ما يَملِكُه حتى يُعطيَ ما عليه من الجِزيةِ؟ (١)

ثانيًا: المَوتُ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في سُقوطِ الجِزيةِ بالمَوتِ:

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والقاضي من الحَنابِلةِ إلى أنَّ الجِزيةَ تَسقُطُ بالمَوتِ مُطلَقًا، سَواءٌ حصَلَ المَوتُ في أثناءِ الحَولِ أو بعدَ انتِهائِه، واستدَلُّوا على ذلك بأنَّ الجِزيةَ وجَبَت عُقوبةً على الكُفرِ، فتَسقُطُ بالمَوتِ كالحُدودِ، ولأنَّ الجِزيةَ وجَبَت وَسيلةً إلى الإسلامِ، وهذا المَعنى لا يَتحقَّقُ بعدَ المَوتِ (٢).


(١) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٦٠، ٦٢)، وانظر: «بداية المجتهد» (١/ ٥٤١).
(٢) «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٧٨)، و «الهداية» (٢/ ١٦١)، و «تحفة الفقهاء» (٣/ ٣٠٨)، و «المنتقى» للباجي (٢/ ١٧٦)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٢٠٢)، و «الشرح الصغير» (٢/ ٢٠٠)، و «منح الجليل» (١/ ٧٥٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>