والراهِبُ عندَهم شَرطُه تَركُ النِّكاحِ فقط، وهُم مع هذا يُجوِّزونَ أنْ يَكونَ بَتركًا وبَطرقًا وقِسِّيسًا وغيرَهم من أئِمةِ الكُفرِ الذين يَصدُرونَ عن أمرِهم ونَهيِهم، ولهم أنْ يَكتسِبوا الأموالَ كما لغيرِهم مثلُ ذلك؛ فهؤلاء لا يَتنازَعُ العُلماءُ في أنَّهم من أحَقِّ النَّصارى بالقَتلِ عندَ المُحارَبةِ وبأخذِ الجِزيةِ عندَ المُسالَمةِ، وأنَّهم من جِنسِ أئِمةِ الكُفرِ الذين قالَ فيهم الصِّديقُ ﵁ ما قالَ، وتَلا قَولَ اللهِ تَعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢].
فهل يَقولُ عالِمٌ: إنَّ أئِمةَ الكُفرِ الذين يَصُدُّونَ عَوامَّهم عن سَبيلِ اللهِ، ويَأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطِلِ ويَرضَونَ بأنْ يُتَّخَذوا أربابًا من دونِ اللهِ لا يُقاتِلونَ ولا تُؤخذُ منهم الجِزيةُ مع كَونِها تُؤخذُ من العامةِ الذين هُمْ أَقلُّ منهم ضَررًا في الدِّين وأَقلُّ أموالًا، لا يَقولُه مَنْ يَدرى ما يَقولُ، وإنَّما وقَعت الشُّبهةُ لما في لفظِ الراهِبِ من الإجمالِ والاشتِراكِ، وقد بيَّنَّا أنَّ الأثرَ الوارِدَ مُقيَّدٌ مَخصوصٌ وهو يُبيِّنُ المَرفوعَ في ذلك، وقد اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّ عِلةَ المَنعِ هي ما بيَّنَّاه.