للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ العَربيِّ : واستَدلَّ عُلماؤُنا على أنَّها عُقوبةٌ بأنَّها وجَبَت بسَببِ الكُفرِ وهو جِنايةٌ، فوجَبَ أنْ يَكونَ مُسبِّبُها عُقوبةً، ولذلك وجَبَت على مَنْ يَستحِقُّ العُقوبةَ وهُم البالِغونَ العُقلاءُ المُقاتِلونَ (١).

ولأنَّ الواجِبَ في حَقِّ الكُفارِ ابتِداؤُهم القَتلَ عُقوبةً لهم على الكُفرِ، فلمَّا دفَعَ عنهم القَتلَ بعَقدِ الذِّمةِ الذي يَتضمَّنُ الجِزيةَ، صارَت الجِزيةُ عُقوبةً بَدلَ عُقوبةِ القَتلِ.

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ: إلى أنَّ الجِزيةَ تَجِبُ على أهلِ الذِّمةِ عِوضًا عن مُعوَّضٍ، ثم اختَلفُوا بعد ذلك في المُعوَّضِ الذي تَجِبُ الجِزيةُ بَدلًا منه.

فقالَ ابنُ العَربيِّ المالِكيُّ : اختَلفَ العُلماءُ فيما وجَبَت الجِزيةُ عنه:

فقالَ عُلماءُ المالِكيةِ: وجَبَت بَدلًا من القَتلِ بسَببِ الكُفرِ.

وقالَ بعضُ الحَنفيَّة بقَولِنا، وقالَ الشافِعيُّ: بَدلًا من حَقنِ الدَّمِ وسُكنى الدارِ.

وقالَ بَعضُهم من أهلِ ما وَراءَ النَّهرِ: إنَّما وجَبَت بَدلًا من النُّصرةِ بالجِهادِ، واختارَه القاضي أبو زَيدٍ، وزعَمَ أنَّه سِرُّ اللهِ في المَسألةِ.

واستَدلَّ عُلَماؤُنا على أنَّها عُقوبةٌ بأنَّها وجَبَت بسَببِ الكُفرِ وهو جِنايةٌ، فوجَبَ أنْ يَكونَ مُسبِّبُها عُقوبةً، ولِذلك وجَبَت على مَنْ يَستحِقُّ العُقوبةَ وهُم البالِغونَ العُقَلاءُ المُقاتِلونَ.


(١) «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>