للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ أبو حَنيفةَ وبَعضُ المالِكيةِ وابنُ القَيمِ من الحَنابِلةِ إلى أنَّها وجَبَت عُقوبةً على الإصرارِ على الكُفرِ، ولِهذا لا تُقبَلُ من الذِّميِّ إذا بعَثَ بها مع شَخصٍ آخَرَ، بل يُكلَّفُ أنْ يأتِيَ بها بنَفسِه، فيُعطيَ قائِمًا والقابِضُ منه يَكونُ قاعِدًا.

قالَ ابنُ الهُمامِ : ولِأبي حَنيفةَ أنَّها وجَبَت عُقوبةً على الإصرارِ على الكُفرِ على ما بَيَّناه ولِهذا لا تُقبَلُ منه لو بعَثَ على يَدِ نائِبِه في أصَحِّ الرِّواياتِ بل يُكلَّفُ أنْ يأتِيَ بها بنَفسِه فيُعطيَ قائِمًا والقابِضُ منه يَكونُ قاعِدًا، وفي رِوايةٍ يَأخذُ بتَلبيبِه ويَهُزُّه هَزًّا ويَقولُ: أعطِ الجِزيةَ يا ذِميُّ، فثبَتَ أنَّها عُقوبةٌ (١).

واستدَلُّوا لذلك بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)[التوبة: ٢٩].

قالَ ابنُ عَباسٍ في تَفسيرِ قَولِه: ﴿عَنْ يَدٍ﴾: يَدفعُها بنَفسِه غيرَ مُستَنيبٍ فيها أحَدًا (٢)، فلا بدَّ من أداءِ الجِزيةِ وهو بحالةِ الذُّلِّ والصَّغارِ عُقوبةً له على الإصرارِ على الكُفرِ.

ولأنَّ الجِزيةَ مُشتقةٌ من الجَزاءِ، وهو إمَّا أنْ يُطلقَ على الثَّوابِ بسَببِ الطاعةِ، وإمَّا أنْ يُطلَقَ على العُقوبةِ بسَببِ المَعصيةِ، ولا شَكَّ في انتِفاءِ الأولِ؛ لأنَّ الكُفرَ مَعصيةٌ وشَرٌّ، وليسَ طاعةً، فيَتعيَّنُ الثانِي للجَزاءِ: وهو العُقوبةُ بسَببِ الكُفرِ.


(١) «شرح فتح القدير» (٢/ ١٦١)، و «العناية شرح الهداية» (٨/ ١٠٥).
(٢) «تفسير القرطبي» (٨/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>