للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامِ، وما أشبَهَ ما قالُوا بما قالُوا؛ لامتِناعِهم من الإسلامِ. فإذا جَرى عليهم حُكمُه فقد أصغَروا بما يَجري عليهم منه، فعلى هذا المَعنى يَكونُ دَفعُ الجِزيةِ من الكافِرينَ ويَكونُ الخُضوعُ لسُلطانِ المُسلِمينَ مُوجِبًا للصَّغارِ (١).

وقالَ ابنُ كَثيرٍ : ﴿عَنْ يَدٍ﴾ أي: عن قَهرٍ لهم وغَلبةٍ ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾، أي: وهُم ذَليلونَ حَقيرونَ مُهانونَ؛ فلهذا لا يَجوزُ إعزازُ أهلِ الذِّمةِ ولا رَفعُهم على المُسلِمينَ، بل هُمْ أذِلَّاءُ صَغَرةٌ أشقياءُ (٢).

وقالَ الفَخرُ الرازيُّ : ههنا سُؤالانِ:

السُّؤالُ الأولُ: كانَ ابنُ الراوَنديِّ يَطعَنُ في القُرآنِ ويَقولُ: إنَّه ذكَرَ في تَعظيمِ كُفرِ النَّصارى قَولَه: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: ٩٠، ٩١]، فبيَّن أنَّ إظهارَهم لهذا القَولِ بلَغ إلى هذا الحَدِّ، ثم إنَّه لمَّا أخَذَ منهم دِينارًا واحِدًا قرَّرهم عليه وما منَعَهم منه.

والجَوابُ: ليسَ المَقصودُ من أخْذِ الجِزيةِ تَقريرَه على الكُفرِ، بل المَقصودُ منها حَقنُ دَمِه وإمهالُه مُدةً، رَجاءَ أنَّه رُبَّما وقَفَ في هذه المُدةِ على مَحاسِنِ الإسلامِ وقُوةِ دَلائِلِه، فيَنتقِلُ من الكُفرِ إلى الإيمانِ.

السُّؤالُ الثانِي: هل يَكفي في حَقنِ الدَّمِ دَفعُ الجِزيةِ أو لا؟


(١) «أحكام القرآن» للشافعي (٢/ ٦٠).
(٢) «تفسير القرآن العظيم» (٤/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>