للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قيلَ: لمَ لا يَجوزُ أنْ يَكونَ المُرادُ من الآيةِ النَّهيَ عن اتِّخاذِ الكافِرينَ أولياءَ بمَعنى أنْ يَتولَّوْهم دونَ المُؤمِنينَ، فأمَّا إذا تَولَّوْهم وتَولَّوُا المُؤمِنينَ معهم فذلك ليسَ بمَنهيٍّ عنه، وأيضًا فقَولُه: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾ [آل عمران: ٢٨] فيه زيادةُ مَزيةٍ؛ لأنَّ الرَّجلَ قد يُوالي غيرَه ولا يَتَّخِذُه مُوالِيًا، فالنَّهيُ عن اتِّخاذِه مُوالِيًا لا يُوجِبُ النَّهيَ عن أصلِ مُوالاتِه.

قُلنا: هذان الاحتِمالان -وإنْ قاما في الآيةِ- فإنَّ سائِرَ الآياتِ الدَّالةِ على أنَّه لا تَجوزُ مُوالاتُهم دلَّت على سُقوطِ هذَينِ الاحتِمالَينِ (١).

وقالَ في مَوضِعٍ آخَرَ عندَ تَفسيرِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩]: دلَّت الآيةُ على أنَّه لا يَجوزُ مُوالاةُ المُشرِكينَ والمُنافِقينَ والمُشتهَرينَ بالزَّندقةِ والإلحادِ، وهذا مُتأكَّدٌ بعُمومِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾، والسَّببُ فيه أنَّ أعَزَّ الأشياءِ وأعظَمَها عندَ جَميعِ الخَلقِ هو الدِّينُ؛ لأنَّ ذلك هو الأمرُ الذي به يُتقرَّبُ إلى اللهِ تَعالى، ويُتوسَّلُ به إلى طَلبِ السَّعادةِ في الآخِرةِ، وإذا كانَ كذلك كانَت العَداوةُ الحاصِلةُ بسَببِه أعظَمَ أنواعِ العَداوةِ، وإذا كانَ كذلك امتنَعَ طَلبُ المَحبةِ والوِلايةِ في المَوضِعِ الذي يَكونُ أعظَمَ مُوجِباتِ العَداوةِ حاصِلًا فيه، واللهُ أعلَمُ (٢).


(١) «تفسير الرازي» (٨/ ١٠، ١١).
(٢) «تفسير الرازي» (١٠/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>