للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُشرِكينَ على أنْ نُخلِّيَكم في بِلادِنا وألَّا نَدَعَكم تَرجِعونَ إلى أهليكم» فليسَ يَنبَغي لهم أنْ يُقاتِلوا معهم؛ لأنَّهم إنْ كانُوا آمِنينَ على أنفُسِهم، لا يَخافونَ من جانِبِهم تَلَف نَفسٍ أو عُضوٍ فلا فَرقَ بينَ أنْ يَكونوا مَحبوسينَ في بِلادِهم، وبينَ أنْ يَكونوا في سُجونِهم؛ لأنَّهم في الوَجهَينِ يَلحَقُهم هَمٌّ بالانقِطاعِ عن أهاليهم، وعن إخوانِهم من المُؤمِنينَ، فلا يَنبَغي لهم أنْ يُقاتِلوا لإظهارِ حُكمِ الشِّركِ، بدونِ مَنفَعةٍ ظاهِرةٍ لهم في ذلك.

وإنْ كانُوا في ضُرٍّ وبَلاءٍ يَخافونَ على أنفُسِهم الهَلاكَ، فلا بأسَ بأنْ يُقاتِلوا معهم المُشرِكينَ، إذا قالُوا: نُخرِجُكم من ذلك؛ لأنَّ لهم في هذا القِتالِ غَرضًا صَحيحًا، وهو دَفعُ البَلاءِ والضُرِّ الذي نزَلَ بهم. ولو أنَّهم خَلَّوْا سَبيلَهم ليَرجِعوا إلى دارِ المُسلِمينَ فظَفِروا بمالٍ من أموالِهم، فلا بأسَ بأنْ يَأخذوها سِرًّا منهم، فيُخرِجوها إلى دارِ الإسلامِ؛ لأنَّهم أُسراءُ في أيديهم ما لم يَخرُجوا، وإنْ خَلَّوْا سَبيلَهم فليسَ في أخذِ أموالِهم وقَتلِ نُفوسِهم إنْ تَمكَّنوا من ذلك غَدرٌ بأمانٍ بَينَهم وبينَ أهلِ الحَربِ، وإنَّما هو إصابةٌ من الحَلالِ، فحالُهم في ذلك كحالِ المُتلصِّصينَ في دارِ الحَربِ، حتى إذا أخرَجُوا ذلك فإنْ كانُوا أهلَ مَنَعةٍ خُمِّسَ، والباقي بينَهم على سِهامِ الغَنيمةِ؛ لأنَّهم إنَّما تَمَّ إحرازُهم لذلك بالإخراجِ إلى دارِ الإسلامِ (١).

وجاء في «المُدوَّنةِ الكُبرى»: (قُلتُ): أرأيتَ لو أنَّ قَومًا من المُسلِمينَ أُسارى في بِلادِ الشِّركِ، أو أنَّ تُجارًا استَعانَ بهم صاحِبُ تلك البِلادِ على


(١) «شرح السير الكبير» (٤/ ١٥١٥، ١٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>