للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَظالِمِ، أكبَرُ ما فيه أنْ يَلحَقَ المُسلِمينَ هَمٌّ لكَثرةِ سَوادِ المُشرِكينَ في أعيُنِهم، فهو بمَنزِلةِ ما لو أُكرِه على إتلافِ مالِ المُسلِمينَ بوَعيدٍ مُتلِفٍ، فإنْ كانُوا لا يَخافونَ المُشرِكينَ على أنفُسِهم فليسَ لهم أنْ يَقِفوا معهم في صَفٍّ وإنْ أمَرُوهم بذلك؛ لأنَّ فيه إرهابَ المُسلِمينَ وإلقاءَ الرُّعبِ والفَشلِ فيهم، وبدونِ تَحقُّقِ الضَّرورةِ لا يَسعُ المُسلِمَ الأقدامَ على شَيءٍ منه.

ولو قالُوا للأُسَراءِ: «قاتِلوا مَعنا عَدوَّنا من أهلِ حَربٍ آخَرينَ، على أنْ نُخَلِّيَ سَبيلَكم إذا انقَضَت حَربُنا» لو وقَعَ في قُلوبِهم أنَّهم صادِقونَ فلا بأسَ بأنْ يُقاتِلوا معهم؛ لأنَّهم يَدفَعونَ بهذا الأسْرَ عن أنفُسِهم، ولا يَكونُ هذا دونَ ما إذا كانُوا يَخافونَ على أنْفُسِهم من أولئك المُشرِكينَ، فكما يَسَعُهم الإقدامَ هناك، فكَذلك يَسَعُهم ههنا؛ فإنْ قيل: كيف يَسَعُهم هذا وفيه قُوةٌ لهم على المُسلِمينَ؟ لأنَّهم إذا ظَفِروا بعَدوِّهم فأمِنوا جانِبَهم أقبَلوا على قِتالِ المُسلِمينَ، ورُبَّما يأخُذونَ منهم الكُراعَ والسِّلاحَ فيَتقوَّونَ بها على المُسلِمينَ، قُلنا: ذلك مَوهومٌ، وما يَحصُلُ لهم الآنَ من النَّجاةِ من أسْرِ المُشرِكينَ بهذا القِتالِ مَعلومٌ، فيَترجَّحُ هذا الجانِبُ، ألَا تَرى أنَّهم لو طلَبوا من إمامِ المُسلِمينَ أنْ يُفاديَهم بأعدادِهم من المُشرِكينَ أو بالكُراعِ والسِّلاحِ جازَ له أنْ يَفعلَ لتَخلُّصِهم به من الأسْرِ وإنْ كانُوا يَتقوَّوْن بما يأخُذون على المُسلِمينَ. ولو قالُوا: أعينونا على المُسلِمينَ بقِتالٍ أو بتَكثيرِ سَوادٍ على أنْ نُخلِّيَ سَبيلَكم لم يَحِلَّ لهم هذا؛ لأنَّه لا رُخصةَ لهم في قِتالِ المُسلِمينَ بحالٍ، ولا في إلقاءِ الرُّعبِ في قُلوبِهم ما لم تَتحقَّقِ الضَّرورةُ، بخَوفِ الهَلاكِ على أنفُسِهم، وذلك غيرُ مَوجودٍ ههنا، ولو قالُوا: «قاتِلوا مَعنا عَدوَّنا من

<<  <  ج: ص:  >  >>