للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ﴾ [النور: ٤] وكذلك قَولُه: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ [النور: ٤] لكنْ قد عُلمَ أنَّ المُخاطَب بالفِعلِ لا بدَّ أنْ يَكونَ قادِرًا عليه، وأنَّ العاجِزينَ لا يَجبُ عليهم، وقد عُلمَ أنَّ هذا فَرضٌ على الكِفايةِ، وهو مِثلُ الجِهادِ بل هو نَوعٌ من الجِهادِ، فقَولُه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ وقَولُه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] وقَولُه: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ﴾ [التوبة: ٣٩] ونَحوُ ذلك هو فَرضٌ على الكِفايةِ من القادِرينَ.

والقُدرةُ هي السُّلطانُ، فلِهذا وجَبَ إقامةُ الحُدودِ على ذي السُّلطانِ ونُوابِه، والسُّنةُ أنْ يَكونَ للمُسلِمينَ إمامٌ واحِدٌ والباقونَ نُوابُه، فإذا فُرضَ أنَّ الأُمةَ خرَجَت عن ذلك لمَعصيةٍ من بَعضِها وعَجزٍ مِنْ الباقِينَ أو غيرِ ذلك، فكانَ لها عِدةُ أئِمةٍ؛ لكانَ يَجبُ على كلِّ إمامٍ أنْ يُقيمَ الحُدودَ ويَستوفيَ الحُقوقَ، ولِهذا قالَ العُلماءُ: إنَّ أهلَ البَغيِ يَنفُذُ من أحكامِهم ما يَنفُذُ من أحكامِ أهلِ العَدلِ، وكذلك لو شارَكوا الإمارةَ وصاروا أحزابًا لوجَبَ على كلِّ حِزبٍ فِعلُ ذلك في أهلِ طاعَتِهم، فهذا عندَ تَفرُّقِ الأُمراءِ وتَعدُّدِهم، وكذلك لو لمْ يَتفرَّقوا لكنَّ طاعَتَهم للأميرِ الكَبيرِ ليسَت طاعةً تامةً؛ فإنَّ ذلك أيضًا إذا أُسقِطَ عنه إلزامُهم بذلك لمْ يَسقُطْ عنهم القيامُ بذلك، بل عليهم أنْ يُقيموا ذلك، وكذلك لو فُرضَ عَجزُ بعضِ الأُمراءِ عن إقامةِ الحُدودِ والحُقوقِ، أو إضاعَتُه لذلك، لكانَ ذلك الفَرضُ على القادِرِ عليه، وقَولُ من قالَ: لا يُقيمُ الحُدودَ إلا السُّلطانُ ونُوَّابُه إذا كانُوا قادِرينَ فاعِلينَ بالعَدلِ، كما يَقولُ الفُقهاءُ: الأمرُ إلى الحاكِمِ إنَّما هو العادِلُ القادِرُ، فإذا كانَ مُضيِّعًا لأموالِ اليَتامى أو عاجِزًا عنها لم يَجبْ تَسليمُها إليه مع إمكانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>