وتَنازَعوا هل يُصرَفُ في سائرِ مَصالحِ المُسلِمينَ أو تُختَصُّ به المُقاتِلةُ، على قَولَينِ للشافِعيِّ، ووَجهَينِ في مَذهبِ الإمامِ أحمدَ، لكنَّ المَشهورَ في مَذهبِه وهو مَذهبُ أبي حَنيفةَ ومالِكٍ: أنَّه لا يَختصُّ به المُقاتِلةُ، بل يُصرَفُ في المَصالحِ كلِّها، وعلى القَولَين: يُعطَى مَنْ فيه مَنفَعةٌ عامةٌ لأهلِ الفَيءِ؛ فإنَّ الشافِعيَّ قالَ: يَنبَغي للإمامِ أنْ يَخُصَّ مَنْ في البُلدانِ من المُقاتِلةِ وهو مَنْ بلَغَ، ويُحصي الذُّريةَ وهي مَنْ دونَ ذلك والنِّساءُ، إلى أنْ قالَ: ثم يُعطي المُقاتِلةَ في كلِّ عامٍ عَطاءَهم، ويُعطي الذُّريةَ والنِّساءَ ما يَكفيهم لسَنَتِهم، قالَ: والعَطاءُ من الفَيءِ لا يَكونُ إلا لبالِغٍ يُطيقُ القِتالَ، قالَ: ولم يَختلِفْ أحَدٌ مِمَّنْ لقِيَه في أنَّه ليسَ للمماليكِ في العَطاءِ حَقٌّ، ولا للأعرابِ الذين هُمْ أهلُ الصَّدقةِ. قالَ: فإنْ فَضَل من الفَيءِ شَيءٌ وضَعه الإمامُ في أهلِ الحُصونِ والازديادِ في الكُراعِ والسِّلاحِ، وكلِّ ما يَقوَى به المُسلِمونَ؛ فإنِ استَغنَوْا عنه وحصَلَت كلُّ مَصلَحةٍ لهم فرَّقَ ما يَبقَى عنهم بينَهم على قَدرِ ما يَستحقُّونَ من ذلك المالِ.
قالَ: ويُعطَى من الفَيءِ رِزقُ العُمالِ والوُلاةِ وكلُّ مَنْ قامَ بأمرِ الفَيءِ من والٍ، وحاكِمٍ، وكاتِبٍ، وجُنديٍّ ممَّن لا غِنى لأهلِ الفَيءِ عنهم.
وهذا مُشكِلٌ مع قَولِه: إنَّه لا يُعطَى من الفَيءِ صَبيٌّ، ولا مَجنونٌ، ولا عَبدٌ، ولا امرأةٌ، ولا ضَعيفٌ لا يَقدِرُ على القِتالِ؛ لأنَّه للمُجاهِدينَ. وهذا إذا كانَ للمَصالحِ يُصرَفُ منه إلى كلِّ مَنْ للمُسلِمينَ به مَنفَعةٌ عامةٌ؛ كالمُجاهِدينَ، وكوُلاةِ أُمورِهم من وُلاةِ الحَربِ، ووُلاةِ الدِّيوانِ، ووُلاةِ الحُكمِ، ومَن يُقرِئُهم القُرآنَ، ويُفتيهم، ويُحدِّثُهم، ويَؤُمُّهم في صَلواتِهم، ويُؤذِّنُ لهم.