الرابِعُ: ضَعفُ نُفوسِهم ليَرَوْا أنَّ هذا صُنعُ واحِدٍ فما ظَنُّكَ بالجَميعِ، والفَرضُ لقاءُ واحِدٍ اثنَينِ وغيرُ ذلك جائِزٌ (١).
وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ ﵀: اختَلفَ العُلماءُ في اقتِحامِ الرَّجلِ في الحَربِ وحَملِه على العَدوِّ وَحدَه … ثم قالَ: وقالَ ابنُ خُوَيزَ مَندادَ: فأمَّا أنْ يَحمِلَ الرَّجلُ على مِئةٍ أو على جُملةِ العَسكرِ أو جَماعةِ اللُّصوصِ والمُحارِبين والخَوارِجِ فلذلك حالَتانِ: إنْ علِمَ وغلَبَ على ظَنِّه أنْ سيُقتَلُ مَنْ حمَلَ عليه ويَنجو فحَسنٌ، وكذلك لو علِمَ وغلَبَ على ظَنِّه أنَّه يُقتَلُ ولكنْ سيَنكَأُ نِكايةً أو سَيُبلي أو يُؤثِّرُ أثَرًا يَنتفِعُ به المُسلِمونَ فجائِزٌ أيضًا، وقد بَلغَني أنَّ عَسكرَ المُسلِمينَ لمَّا لقِيَ الفُرسَ نَفَرت خَيلُ المُسلِمينَ من الفيلةِ فعمَدَ رَجلٌ منهم فصنَعَ فيلًا من طِينٍ وأنِسَ به فَرَسُه حتى ألِفَه، فلمَّا أصبَحَ لم يَنفِرْ فَرَسُه من الفيلِ، فحمَلَ على الفيلِ الذي كانَ يَقدُمُها، فقيل له: إنَّه قاتِلُك، فقالَ: لا ضَيرَ أنْ أُقتَلَ ويُفتحَ للمُسلِمينَ، وكذلك ما حدَثَ يَومَ اليَمامةِ لمَّا تَحصَّنت بَنو حَنيفةَ بالحَديقةِ، قالَ رَجلٌ من المُسلِمينَ: ضَعونِي في الجُحفةِ وألقُونِي إليهم، ففَعلوا وقاتَلَهم وَحدَه وفتَحَ البابَ، قُلتُ: ومِن هذا ما رُوي أنَّ رَجلًا قالَ للنَّبيِّ ﷺ: «أرأيتَ إنْ قُتِلتُ في سَبيلِ اللهِ صابِرًا مُحتسِبًا؟ قالَ: فلك الجَنةُ، فانغَمسَ في العَدوِّ حتى قُتلَ»