للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى التَّهلُكةِ بحَملِه على العَدوِّ؛ إذ لم يَكنْ عندَهم في ذلك مَنفَعةٌ، وإذا كانَ كذلك فلا يَنبَغي أنْ يُتلِفَ نَفسَه من غيرِ مَنفَعةٍ عائِدةٍ على الدِّينِ ولا على المُسلِمينَ، فأمَّا إذا كانَ في تَلَفِ نَفسِه مَنفَعةٌ عائِدةٌ على الدِّينِ فهذا مَقامٌ شَريفٌ مدَحَ اللهُ به أصحابَ النَّبيِّ في قَولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ [التوبة: ١١١]، وقالَ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]، وقالَ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] في نَظائِرِ ذلك من الآيِ التي مدَحَ اللهُ فيها مَنْ بذَلَ نَفسَه للهِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ العَربيِّ : قالَ القاسِمُ بنُ مُخَيمِرةَ والقاسِمُ بنُ مُحمدٍ وعبدُ المَلكِ من عُلمائِنا: لا بأسَ أنْ يَحمِلَ الرَّجلُ وَحدَه على الجَيشِ العَظيمِ إذا كانَ فيه قُوةٌ وكانَ للهِ بنِيَّةٍ خالِصةٍ؛ فإنْ لم تَكنْ فيه قُوةٌ فذلك من التَّهلُكةِ.

وقيلَ: إذا طلَب الشَّهادةَ وخَلُصت النِّيةُ فليَحمِلْ؛ لأنَّ مَقصودَه واحِدٌ منهم، وذلك بيِّنٌ في قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧].

قالَ ابنُ العَربيِّ : والصَّحيحُ عندي جَوازُه؛ لأنَّ فيه أربَعةَ أوْجُهٍ:

الأولُ: طَلبُ الشَّهادةِ.


(١) «أحكام القرآن» (١/ ٣٢٧، ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>