للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثُبوتِ أمانِهم، ولم يُبحِ اغتيالَهم حتى يَكونوا على بَصيرةٍ من أمرِهم وأخْذِ حِذرِهم، فكانَ ذلك أصلًا في كلِّ مُستشعِرٍ من أهلِ الكُفرِ أمانًا من المُسلِمينَ، اطمَأنَّ إليه أو نزَلَ عليه.

وأيضًا فالذي يُشيرُ بما يُشعِرُ بالأمانِ، أو يَفعَلُ ما يُستقرَأُ منه الأمانُ وهو لا يُريدُه، فله حالَتانِ:

* إمَّا أنْ يَكونَ لاهيًا غيرَ قاصِدٍ لإشعارِ التَّأمينِ، فهو -وإنْ لم يَلزمْ به التأمينُ مُطلَقًا- لم يَخلُ من شُبهةٍ، فهو سَببُ انبِعاثِ الاطمِئنانِ إليه، فعُهدةُ ذلك على المُسلِمِ حيثُ سبَّبَه لا على الحَربيِّ، فوجَبَ أنْ يُزالَ ذلك بالرَّدِّ إلى مَأمنِه.

* وإمَّا أنْ يَكونَ فعَلَ ذلك ذاكِرًا وهو لا يُريدُ تَأمينَه حَقيقةً، وإنَّما يُريدُ أنْ يُوهِمَه حتى يَتمكَّنَ منه، فهذا هو عَينُ الخِيانةِ والغَدرِ المُحرَّمِ باتِّفاقٍ، ولذلك تَوعَدَ في مِثلِه عُمرُ بنُ الخَطابِ بما تَوعَّدَ، ولا خِلافَ يُعلَمُ بينَ المُسلِمينَ في تَحريمِ ذلك (١).

فيَجبُ الالتِزامُ والوَفاءُ بعَقدِ الأمانِ، ويَحرُمُ الغَدرُ والخِيانةُ، فلا يَجوزُ قَتلٌ ولا أسرٌ ولا استِرقاقٌ للمُستأمَنِ بحالٍ؛ لأنَّ الغَدرَ مُحرَّمٌ بإجماعِ العُلماءِ.

قالَ أبو عُمرَ بنُ عبدِ البَرِّ : إذا كانَ دَمُ الحَربيِّ الكافِرِ يَحرُمُ بالأمانِ؛ فما ظَنُّك بالمُؤمِنِ الذي يُصبِحُ ويُمسي في ذِمةِ اللهِ؟ كيف تَرى


(١) «الإنجاد في أبواب الجِهاد» ص (٣٠٣، ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>