على أوَّلِه، ولا يَحِلُّ اغتيالُه على هذا الوَجهِ بحالٍ، والدَّليلُ على صِحةِ هذا الحَدِّ: أنَّ ما كانَ من الأقوالِ المُتعارَفةِ في ذلك، فلُزومُه ممَّا لا إشكالَ فيه، وكذلك على كلِّ لُغةٍ؛ لأنَّ ذلك لا يَلزمُ في اللِّسانِ العَربيِّ لخاصيَّةِ أنَّه عَربيٌّ، لكنْ من حيثُ هو وُضعَ في التَّخاطُبِ لإفهامِ الأمانِ، فكذلك سائِرُ الألسِنةِ.
وأمَّا الكِتابةُ وما يَجرِي مَجراها من الإشارةِ ونَحوِها، فكلُّ ذلك من بابِ الاصطِلاحِ والإفهامِ، لا فَرقَ بينَه وبينَ الكَلامِ، والحُكمُ في ذلك للمَعنى والإفهامِ لا لمُجرَّدِ اللَّفظِ، وفيما ثبَتَ من كُتبِ رَسولِ اللهِ ﷺ إلى مُلوكِ الكُفرِ يَدعوهم إلى الإسلامِ، وإشارَتِه -كما تقدَّمَ- لأصحابِه في غيرِ ما مَوضِعٍ، وإشارةِ التي رضَخَها اليَهوديُّ بالحِجارةِ، فأشارَت إليه ﷺ برأسِها، وقد سأَلَها عن قاتِلها أنْ: لا، حتى سأَلَها الثالِثةَ، فقالَت: نَعمْ، وأشارَت برأسِها؛ فقتَلَه رَسولُ اللهِ ﷺ بينَ حَجرَينِ، خرَّجَه مُسلِمٌ.
كلُّ ذلك دَليلٌ واضِحٌ وحُجةٌ بَيِّنةٌ في إمضاءِ الشَّرعِ العَملَ على مَفهومِ ذلك كلِّه، وأمَّا لُزومُ ذلك وإنْ لم يُرِدِ المُسلِمُ به الأمانَ إذا ظَنَّه الحَربيُّ أمانًا؛ فلأنَّه فعَلَ ما يُوهِمُ الأمانَ، فكانَ سَببًا لاطمِئنانِ الحَربيِّ إليه، فثبَتَ له بذلك حُرمةُ الأمانِ، فإمَّا أنْ يُمضيَ له ما ظَنَّ من ذلك أو يُردَّ إلى مَأمَنِه، ولا يَهجُمُ -بعدَ ظَنِّه الأمانَ واطمِئنانِه إلى ذلك- على قَتلِه أو أسْرِه، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: ٥٨]، فأمَرَ اللهُ تَعالى أنْ يُعلَموا برَفضِ ما كانُوا يَعتَقِدونه من صِحةِ عَهدِهم