للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ (١) والحَنابِلةُ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى جَوازِ قَتلِ التُّرسِ مُطلَقًا وإنْ لم تَدْعُ ضَرورةٌ لذلك.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وإنْ تتَرَّسوا في الحَربِ بنِسائِهم وصِبيانِهم جازَ رَميُهم ويُقصَدُ المُقاتِلةُ؛ لأنَّ النَّبيَّ رَماهم بالمَنجَنيقِ ومعهم النِّساءُ والصِّبيانُ، ولأنَّ كَفَّ المُسلِمينَ عنهم يُفضي إلى تَعطيلِ الجِهادِ؛ لأنَّهم مَتى عَلِموا ذلك تتَرَّسوا بهم عندَ خَوفِهم فيَنقطِعَ الجِهادُ، وسَواءٌ كانَت الحَربُ مُلتَحِمةً أو غيرَ مُلتحِمةٍ؛ لأنَّ النَّبيَّ لم يَكنْ يَتحينَ بالرَّميِ حالَ التِحامِ الحَربِ.

وإنْ تَترَّسوا بمُسلمٍ ولم تَدعُ حاجةٌ إلى رَميِهم لكَونِ الحَربِ غيرَ قائِمةٍ، أو لإمكانِ القُدرةِ عليهم بدُونِه أو للأمنِ مِنْ شَرِّهم لم يَجزْ رَميُهم؛ فإنْ رَماهم فأصاب مُسلمًا فعليه ضَمانُه، وإنْ دعَت الحاجةُ إلى رَميِهم للخَوفِ على المُسلِمينَ جازَ رَميُهم؛ لأنَّها حالُ ضَرورةٍ ويُقصَدُ الكُفارُ، وإنْ لمْ يُخفْ على المُسلِمينَ لكنْ لم يُقدَرْ عليهم إلا بالرَّميِ، فقالَ الأَوزاعيُّ واللَّيثُ: لا يَجوزُ رَميُهم لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ﴾ الآيةَ [الفتح: ٢٥] قالَ اللَّيثُ: تَركُ فَتحِ حِصنٍ يُقدَرُ على فَتحِه أفضَلُ من قَتلِ مُسلمٍ بغيرِ حقٍّ.

وقالَ الأَوزاعيُّ: كيف يَرمون مَنْ لا يَرَوْنه؟ إنَّما يَرمونَ أطفالَ المُسلِمينَ.


(١) «شرح معاني الآثار» (٣/ ٢٢٢، ٢٢٣)، و «عمدة القاري» (١٤/ ٢٦١)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٥/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>