للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُهما: اختِلافُ الآثارِ في ذلكَ.

والثاني: هل إذا أكَلَ فهو مُمسِكٌ أم لا؟

فأما الآثارُ فمِنها حَديثُ عَديِّ بنِ حاتِمٍ المُتقدِّمِ، وفيهِ: «فإنْ أكَلَ فلا تَأكلْ، فإني أخافُ أنْ يكونَ إنَّما أمسَكَ على نَفسِه».

والحَديثُ المُعارِضُ لهذا حَديثُ أبي ثَعلبةَ الخُشنيِّ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «إذا أرسَلْتَ كَلبَكَ المُعلَّمَ وذكَرْتَ اسمَ اللهِ فكُلْ، قلتُ: وإنْ أكَلَ منه يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ أكلَ».

فمَن جمَعَ بينَ الحَديثَينِ بأنْ حمَلَ حَديثَ عَديِّ بنِ حاتمٍ على النَّدبِ وهذا على الجَوازِ قالَ: ليسَ مِنْ شَرطِه ألا يَأكلَ.

ومَن رجَّحَ حَديثَ عَديِّ بنِ حاتمٍ -إذْ هو حَديثٌ مُتفَقٌ عليهِ، وحَديثُ أبي ثَعلبةَ مُختلَفٌ فيه، ولذلكَ لم يُخرِّجْه الشيخانِ البُخاريُّ ومُسلمٌ- وقالَ: مِنْ شَرطِ الإمساكِ أنْ لا يَأكلَ؛ بدَليلِ الحَديثِ المَذكورِ، قالَ: إنْ أكَلَ مِنْ الصَّيدِ لم يُؤكلْ، وبه قالَ الشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ وأحمَدُ وإسحاقُ والثَّوريُّ، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ، ورخَّصَ في أكلِ ما أكَلَ الكَلبُ كما قُلنا مالِكٌ وسَعيدُ بنُ مالكٍ وابنُ عُمرَ وسُليمانُ (١).

وهذا الخِلافُ فيما لو أكَلَ منه عَقيبَ قَتلِه، أما إذا قُتلَ الصَّيدُ ثمَّ مضَى عن الصَّيدِ ثمَّ رجَعَ وأكَلَ منه لم يَحرمْ عندَ أكثَرِ الفُقهاءِ.


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>