فإنِ اختارَ أباهُ كانَ عندَه ليلًا ونهارًا ليَحفظَه ويُعلِّمَه ويُؤدِّبَه، ولا يُمنعُ مِنْ زِيارةِ أمِّه، ولا هي مِنْ زِيارتِه؛ لِما فيه مِنْ الإغراءِ بالعُقوقِ وقَطيعةِ الرَّحمِ.
وإنِ اختارَ أمَّه كانَ عندَها ليلًا؛ لأنه وَقتُ الانحيازِ إلى المَساكنِ، وعندَ أبيهِ نهارًا؛ ليُؤدِّبَه ويُعلِّمَه لئلَّا يَضيعَ، ولأنَّ النهارَ وقتُ التصرُّفِ في الحَوائجِ وعَملِ الصَّنائعِ.
ومتَى اختارَ أحَدُهما فسُلِّمَ إليه ثم اختارَ الآخَرَ رُدَّ إليهِ، وإنْ عادَ فاختارَ الأولَ أُعيدَ إليهِ، هكذا أبَدًا كلَّما اختارَ أحَدَهما صارَ إليهِ؛ لأنه اختِيارُ شَهوةٍ لحَظِّ نَفسِه، فاتبعَ ما يَشتهيهِ كما يتبعُ ما يَشتهيهِ مِنْ مَأكولٍ ومَشروبٍ، وقد يَشتهِي المُقامَ عندَ أحَدِهما في وَقتٍ وعندَ الآخَرِ في وَقتٍ، وقد يَشتهي التَّسويةَ بينَهُما وأنْ لا يَنقطعَ عنهُما، وإنْ خيَّرناهُ فلَم يَختَرْ واحِدًا منهُما أو اختارَهُما معًا قدِّمَ أحَدُهما بالقرعةِ؛ لأنه لا مَزيةَ لأحَدِهما على صاحبِه ولا يُمكِنُ اجتماعُهُما على حَضانتِه، فقُدِّمَ أحَدُهما بالقُرعةِ، فإذا قُدمَ بها ثم اختارَ الآخَرَ رُدَّ إليهِ؛ لأنَّنا قدَّمْنا اختيارَه الثاني على الأولِ، فعَلى القُرعةِ التي هي بَدلٌ أَولى.
وأما الأُنثى إذا بلَغَتِ سَبعًا كانَتْ عندَ أبيها وُجوبًا إلى أنْ تَتزوَّجَ؛ لأنه أحفَظُ لها وأحَقُّ بوِلايتِها، ولمُقاربتِها الصَّلاحيةَ للتَّزويجِ، وإنما تُخطَبُ مِنْ أبيها؛ لأنه وَليُّها وأعلَمُ بالكُفءِ، ولم يَرِدِ الشرعُ بتَخييرِها، ولا يَصحُّ قياسُها على الغُلامِ؛ لأنه لا يَحتاجُ إلى ما تحتاجُ إليه الأُنثى.