للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الإمامَ ابنَ رُشدٍ يَرَى أنه لا يُوجدُ دَليلٌ يُعتمَدُ عليهِ في نَقلِ الحَضانةِ مِنْ الأمِّ إلى غيرِ الأبِ، فقالَ: وأمَّا نَقلُ الحَضانةِ مِنْ الأمِّ إلى غيرِ الأبِ فليسَ في ذلكَ شَيءٌ يُعتمدُ عليهِ (١).

وقد رَأى الإمامُ ابنُ عابدِينَ أنَّ الحَضانةَ لا تُنتزعُ مِنْ الأمِّ مُطلَقًا، وإنَّما المُراعَى في ذلكَ الطِّفلُ، فإنْ كانَ الأفضَلُ له أنْ يَكونَ مع أمِّه حتَّى وإنْ تَزوَّجتْ فيَكونُ معَها، ويَنبغِي للقاضِي أنْ يَنظرَ في هذا ويَحكمَ بما يَراهُ المَصلحةَ.

فقالَ: قلتُ: الأصوَبُ التَّفصيلُ، وهو أنَّ الحاضِنةَ إذا كانَتْ تَأكلُ وحْدَها وابنُها معَها فلها حَقٌّ؛ لأنَّ الأجنَبيَّ لا سَبيلَ له عَليها ولا على وَلدِها، بخِلافِ ما إذا كانَتْ في عِيالِ ذلكَ الأجنَبيِّ، أو كانَتْ زَوجةً له، وأنتَ عَلِمتَ أنَّ سُقوطَ الحَضانةِ بذلكَ لدَفعِ الضَّررِ عن الصَّغيرِ، فيَنبغِي للمُفتِي أنْ يَكونَ ذا بَصيرةٍ ليُراعيَ الأصلَحَ للولدِ؛ فإنه قد يَكونُ له قَريبٌ مُبغِضٌ له يَتمنَّى مَوتَه ويكونُ زَوجُ أمِّه مُشفِقًا عليه يَعزُّ عليه فِراقُه، فيُريدُ قَريبُه أخْذَه منها ليُؤذيَه ويُؤذيَها، أو ليَأكلَ مِنْ نَفقتِه أو نحوِ ذلكَ، وقد يَكونُ له زَوجةٌ تُؤذيهِ أضعافَ ما يُؤذيهِ زَوجُ أمِّه الأجنبيِّ، وقد يَكونُ له أولادٌ يُخشَى على البنتِ منهُم الفِتنةُ لسُكناها معَهُم، فإذا عَلِمَ المُفتي أو القاضِي شَيئًا مِنْ ذلكَ لا يَحلُّ له نَزعُه مِنْ أمِّه؛ لأنَّ مَدارَ أمرِ الحَضانةِ على نَفعِ الوَلدِ (٢).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٤٣).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>