للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ النَّفقة تَجبُ بالاحتِباسِ، وقد بَقيَ بعدَ الطَّلاقِ الثلاثِ والبائنِ، فتَبقَى النَّفقةُ، وسَواءٌ كانَتِ المُعتدةُ عن طَلاقٍ كَبيرةً أو صَغيرةً، مُسلمةً أو كِتابيةً؛ لأنَّ ما ذكَرْنا مِنْ الدَّلائلِ لا يُوجبُ الفَصلَ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ المُطلَّقةَ ثلاثًا والبائنةَ لا نَفقةَ لها؛ لقَولِه تعالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، فخَصَّ الحاملَ بالأمرِ بالإنفاقِ عليها، فلو وجَبَ الإنفاقُ على غيرِ الحامِلِ لَبطَلَ التَّخصيصُ، فدلَّ ذلك على أنها إنْ كانَتْ حائلًا لا نَفقةَ لها؛ لأنَّ اللهَ تعالَى جعَلَ نَفقةَ المَبتوتةِ مَشروطةً بالحَملِ، فدَلَّ على سُقوطِها بعَدمِ الحَملِ.

ولأنَّ النَّفقةَ لو كانَتْ تَجبُ كما تَجبُ السُّكنى لَمَا كانَ لاختِصاصِ النَّفقةِ للحاملِ معنًى، فلمَّا وقَعَ الاختِصاصُ وجَبَ أنه لا نَفقةَ للمَرأةِ إذا لم تكنْ حامِلًا.

ولأنَّ اللهَ لمَّا ذكَرَ السُّكنى أطلَقَها لكُلِّ مُطلَّقةٍ، فلمَّا ذكَرَ النَّفقة قيَّدَها بالحَملِ، فدَلَّ على أنَّ المُطلَّقةَ البائنَ لا نَفقةَ لها.

ولِما رَواهُ مُسلمٌ عن الشَّعبيِّ قالَ: دخَلْتُ على فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ فسَألتُها عن قَضاءِ رَسولِ اللهِ عليها، فقالَتْ: «طلَّقَها زَوجُها البتَّةَ فقالَتْ:


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «التجريد» للقدوري (١٠/ ٥٣٩٥، ٥٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>