للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنه يَجبُ لها النَّفقةُ والسُّكنى؛ لقَولِه تعالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦]، وفي قِراءةِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ وَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ»، ولا اختِلافَ بينَ القِراءتَينِ، لكنَّ إحداهُما تَفسيرُ الأخرَى، كقَولِه ﷿: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] وقِراءةِ ابنِ مَسعودٍ «أَيْمَانَهُمَا»، وليسَ ذلكَ اختِلافَ القَراءةِ، بل قِراءتُه تَفسيرُ القِراءةِ الظاهرةِ، كذا هذا.

ولأنَّ الأمرَ بالإسكانِ أمرٌ بالإنفاقِ؛ لأنها إذا كانَتْ مَحبوسةً مَمنوعةً عن الخُروجِ لا تَقدرُ على اكتِسابِ النَّفقةِ، فلو لم تَكنْ نَفقتُها على الزَّوجِ ولا مالَ لها لَهلكَتْ أو ضاقَ الأمرُ عليها وعَسُرَ، وهذا لا يَجوزُ، وقَولُه تعالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق: ٧] مِنْ غيرِ فَصلٍ بينَ ما قبلَ الطلاقِ وبعدَه في العدَّةِ، ولأن النَّفقةَ إنما وجَبَتْ قبلَ الطَّلاقِ؛ لكَونِها مَحبوسةً عن الخُروجِ والبُروزِ لحَقِّ الزوجِ، وقد بَقيَ ذلكَ الاحتباسُ بعدَ الطلاقِ في حالةِ العدَّةِ، وتَأبَّدَ بانضِمامِ حَقِّ الشَّرعِ إليه؛ لأنَّ الحَبسَ قبلَ الطلاقِ كانَ حَقًّا للزَّوجِ على الخُلوصِ، وبعدَ الطَّلاقِ تَعلَّقَ به حقُّ الشرعِ، حتَّى لا يُباحُ لها الخُروجُ وإنْ أَذِنَ الزَّوجُ لها بالخُروجِ، فلمَّا وجَبَتْ به النَّفقةُ قبلَ التأكُّدِ فلَأنْ تَجبَ بعدَ التأكُّدِ أَولى.

وأمَّا قَولُه تعالَى: ﴿فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] ففيها أمرٌ بالإنفاقِ على الحامِلِ، وإنه لا يَنفي وُجوبَ الإنفاقِ على غيرِ الحامِلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>