وأما الحَديثُ فلا حُجةَ له فيه؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ إنما قالَ لهِندَ على سَبيلِ الفتوَى لا على طَريقِ القَضاءِ؛ بدَليلِ أنه لم يُقدِّرْ لها ما تَأخذُه مِنْ مالِ أبي سُفيانَ، وفَرضُ النَّفقةِ مِنْ القاضي تَقديرُها، فإذا لم تُقدَّرْ لم تَكنْ فَرضًا، فلَم تَكنْ قَضاءً، تَحقيقُه أنَّ مَنْ يُجوِّزُ القَضاءَ على الغائِبِ فإنما يُجوِّزُه إذا كانَ غائبًا غَيبةَ سَفرٍ، فأما إذا كانَ في المِصرِ فإنه لا يَجوزُ بالإجماعِ؛ لأنه لا يُعَدُّ غائبًا، وأبو سُفيانَ لم يَكنْ مُسافرًا، فدَلَّ أنَّ ذلكَ كانَ إعانةً لا قَضاءً.
فإنْ لم يَكنِ القاضي عالِمًا بالزَّوجيةِ فسَألَتِ القاضِي أنْ يَسمعَ بيِّنتَها بالزَّوجيةِ ويَفرضَ على الغائبِ قالَ أبو يُوسفَ: لا يَسمعُها ولا يَفرضُ، وقالَ زُفرُ: يَسمعُ ويَفرضُ لها وتَستدينُ عليهِ، فإذا حضَرَ الزوجُ وأنكَرَ يَأمرُها بإعادةِ البيِّنةِ في وَجهِه، فإنْ فعَلَتْ نفَذَ الفَرضُ وصحَّتِ الاستدانةُ، وإنْ لم يَفعلْ لم يَنفذْ ولم يَصحَّ …
هذا إذا كانَ الزَّوجُ غائبًا ولم يَكنْ له مالٌ حاضرٌ، فأما إذا كانَ له مالٌ حاضِرٌ فإنْ كانَ المالُ في يَدِها وهو مِنْ جِنسِ النَّفقةِ فلها أنْ تُنفِقَ على نفسِها منه بغَيرِ أمرِ القاضي؛ لحَديثِ أبي سُفيانَ، فلو طلَبَتِ المَرأةُ مِنْ القاضي فرْضَ النَّفقةِ في ذلكَ المالِ وعَلِمَ القاضي بالزوجيَّةِ وبالمالِ فرَضَ لها النَّفقةَ؛ لأنَّ لها أنْ تَأخذَه فتُنفقَ على نفسِها مِنْ غيرِ فَرضِ القاضي، فلَم يَكنِ الفَرضُ مِنْ القاضي في هذهِ الصورةِ قَضاءً، بل كانَ إعانةً لها على استيفاءِ